الاثنين، 30 مايو 2011
بين ضفتي الما
صور من المعركة
بين ضفتي الما...
(( عندما كنا مواطنين بدرجة مرعوب كنا نعيش زمن الحرب. يعرضون لنا على شاشات التلفاز صورا لقتلى .كانت الصور صامتة . لا تقل لنا ولا نقل عنها شيئا كنا نحدق بها وهي تحمل عنوان صور من المعركة .. كانت معركة طويلة واحدة تدور في جبهات بعيدة.تحرقنا بشظاياها، وتخطف خيرة رجالنا... مضى زمانها وانتهت . كبرنا صرنا بدرجة مذهول ولم يعد التلفاز يعرض علينا صورا صامتة لقتلى فحسب بل صارت تصاحبها كل الوسائل المساعدة من صراخ وعويل وتصريحات تعددت جبهاتها لكن غايتها ظلت واحدة تريد حياتنا. لتلقي بجثث أيامنا على قارعة العبث كل يوم ))
وفي المجتمعات الجاهلية بقيت المرأة تشكل وسيلة محاربة الرجل لنظيره عندما يغير عليه ويسبيها. فدفن الظالم منهم ابنته كي لا يلحق به عار سبيها.
مضت ألاف السنين على ذلك، بقيت الحروب وويلاتها. وظلت المرأة تدفع ثمن العدائية والإجرام في كل حرب. وظل منطق البدو الغزاة يتحكم في عقول بعض الرجال حتى وهم يقودون أفخم السيارات ويقتنون احدث الأجهزة ويتنقلون بين بلاد العالم حاملين بداوتهم وارثهم الجاهلي.
الصورة الاولى: الفرهود
تهاوت سريعا أسوار المدن أكثرها دمارا كانت أسوار بغداد. هجمت عليها أسراب من الجراد العدائي . التهم بعضه كل خزائن مكتباتها.فانتشى هولاكو لصنائع أصحاب همجيته. أحرقت المكاتب والمؤسسات. وكسرت الأبواب. ورأت الثعالب الفرصة مؤتية للإغارة على كرومها. نشطت عصابات خطف النساء واغتصابهن، وفاحت من خلف جدران معتمة روائح عفنة لفضائع ارتكبت بفتيات كن يغفون على أسرة من القحط ربما لكن حدائق أحلامهن كانت مثقلة بثمار أمل لا يترجل فيها فارس أحلامهن ، ولا تفارق البسمة وجهه.
الشاعر منشدا
« حشرات المساء اللزجة تطن في سقوف شجرة نومك، وتشعرين بالاشمئزاز من حاضرك عند النافذة المتصدعة لأحلامك الفقيرة.
هل تنتظرين تلويحه ما، أو نسمة شاطئ غريب من عشاقكِ القدامى؟
ربيع سنوات شبابك المتأرجحة ما بين قرنفل الينابيع ونار
الحجارة الكريمة، أطفأت مصابيحها قوارب محملة بعطايا قراصنة
عجائز. »
الصورة الثانية البحث
قويت شوكة العصابات الغازية التي اصطلح على تسميتها مليشيات الموت .. وراحت تطرد بهمجية ووحشية سكان المدن المسالمة. خرج الطبيب والمهندس والصيدلي والأستاذ الجامعي متعلقا بأهداب الرجاء باحثا عن فرصة حياة له ولأسرته هربا من موت محقق. بينه وبين تحديقه القتلة في القائمة بحثا عن اسمه سهوه حظ قد ينالها وقد تغفله. في مخيمات أنشئت خلف الحدود على الأرض السورية التي استقبلت اكبر عدد من اللاجئين نصبت الخيام، وفي كل منها حكاية من حكايات النكبة التي حلت بالعراق بعد الغزو الانكلوامريكي، وما لحق به من اجتياح إيراني لتصفية ثارات حرب الثمان سنوات العجاف على أيدي مليشيات الموت بتسمياتها المختلفة.
رغم بؤس الحال وشظف العيش والهوان إلا أن زمر الخسة لم تترك ساكني الخيام بحالهم مازالت ظباء العراق تعيش فيها، وما زلن قادرات على ملئ جيوبهم بالدولارات المتساقطة المبذولة من بدو الصحراء التواقين لالتهام لحومها الطرية سواء بالقهر نية أم معروضة على مسارح المجون في الملاهي الليلية التي غصت بهن بكل الطرق والأساليب.
هرب الأب العالم . الأستاذ . الضابط ذو الرتبة الرفيعة بظبائه بعدما خانته البندقية وانتصرت عليه تكنولوجيا الخيانة الحديثة فلم يستمع له جنوده وضاعت المعركة. لكنها لم تنتهي،وان توهم .
هناك من يتعطش لسلبه بقايا أمله وكسر همته في النهوض من كبوته والعمل على حماية نسائه. تم إلهائه عن خيمته بعض الوقت تكفي للسطو على ما بقي له.
في بيوت صدئة الأبواب راحت الضباع تريق على أجسادهن زبدها المسموم . فتتقرح وتأن الظباء من قيح الجروح التي غرزت فيها الوحوش أسنانها. تغتصب الإناث المنهوبات ويمعن في إذلالهم حد اليأس كي يبعوهن القوادون للمتنزه المتخم بالدناءة والدنانير.
لما عاد لخيمته لم يجد العالم ولا القائد احد تتوالى خسائره والحيلة غبار شمس لا يمكن الإمساك به.
تتوالى على الفتاة الأجساد العطنة. لكنها تلمح في لجة الظلام التماع يقترب تظنه لوهلة أفعى يفرحها التفكير بإنهاء هذا الاحتفال الجنائزي بسمها لكن الالتماعة تزداد فتتعجب كيف تحملها قدميها لتلحق بها فتعدو .. تهرب من الظلمة التي يزيدها حلكة صرير الأبواب وهي تفتح وتغلق لمغتصبيها. تعدو حتى الخيام. حيث الأب يدور على نفسه بصوفية صامتة. ترتمي بين أحضانه تقص عليه ما مر بها وبين كل مقطع وأخر من روايتها تلتصق به أكثر مخافة أن تنتزعها منه أنياب الوحوش التي هربت منها للتو.
الشاعر مزمجرا...
« غاب عن الطبيعة القديس والشيطان
غابت الصلاة وأسرار الخزائن
وغابت الشمس ونذر الفصول
غابت وتهدمت جنائن وحانات بغداد
وعصف فوق أنقاضهما الصياح »
تحدثه نفسه ـ الأب ـ بان لا هم تالي له سوى البحث عن السارق القواد وقتله. لكن كم منهم ستجهز عليه يداه . وكم من النساء سوف يعيد إليهن ما ضاع على أيدي أمثاله. وهل سيأمن على ابنته في خيمة يمزق حرمتها نصل أي خنجر لسارق ليل.
الشاعر يذكره بحكمة
«هل هناك جدوى في البحث عن ما لا يفصح عن ذاته
بين الحلم والذكرى؟»
الصورة الثالثة سلال الفاكهة
فتيات دحرج الموت والدمار أقفاصهن ففتحت أبوابه.. لم تكن إلا كلمات ناعمة ووعود براقة كافية لسوقهن أو حشرهن بعلب ليل لا تفتح على نهار .
ومن أكمام طويلة وأقمشة خشنة إلى فساتين عارية براقة . ومساحيق تدهش مستخدمتها قبل زبونها. فتسكرها الكلمات وتنتشي لخشبات مسرح تبيع عليه كل يوم أمسها المهمل ويومها الصاخب وليس لديها متسع من الوقت للمفاصلة عن مستقبل بلا هوية.
الشاعر محذرا متوعدا
« في يدك الآن سكين فضة حادة، لكن الفاكهة متعفنة وشراع العمر يغطس في الظلال المعتمة للكهولة.
لا الترقبات الشفيفة للأمل ولا النسيان يفتحان لك الأبواب الخضر للحديقة المفتوحة صوب الأبدية. »
بعضهن مر عليهن العمر الافتراضي لفرحة الهروب من أقفاصهن القديمة ، وتبخرت لحظات الوهم بإيجاد السعادة. أعياهن ثمنها الباهظ والذي لم يكن في أحسن الظروف مخيرات بدفعه. لا نهاية لمتاهة أبدية يرقصن فيها حافيات الأقدام
الشاعر مواسيا
«لماذا تنزفين حجارة دموعك على أسوار القصور، وتخفين نيران قصيدتك ما بين خزانات المال والركض وراء ما لا فائدة ترجى منه؟
تغريدات طيور اوبرالية صعدت معي الحافات الحادة للصلاة، وأنا أتضرع إلى الصيف من أجل أن يمنحك أشارة أو إيماءة تدلك على الينبوع المتدفق للحياة. »
الصورة الرابعة الثروة
عمل مع كثيرين قبل أن ينتهي به المطاف مستخدما عند أبيها. كان الأب رجلا دمثا عامله بطيبة. ولم يغبن يوما ما حق احد من مستخدميه. تطلعت عيناه إلى ابنة صاحب العمل. لم يكن الفارق الطبقي وحده الحاجز كانت شابة تدرس الطب ولم يكن أكثر من أجير غادر مقاعد الدراسة مبكرا غير راغب في متابعة المشوار. انتقل بين مهن عديدة حتى انتهى به المقام للعمل أجير عندهم.
لما عمت الفوضى كل مناطق الاحتلال أحس برغبة جامحة بها . انطلق يعدو إلى بيتهم يتعثر بعربات محملة بكل شيء استطاعت الأيدي سرقته من الدوائر والمكاتب وبيوت الأثرياء.
لكنه يريد سرقة جوهرة أثمن . طرق الباب دخل ليبادره الأب سائلا: خير ابني ..لكن الخير طير هاجر العراق لما وهن الجسر الذي أذلته أول دبابات الاحتلال. افرغ الرصاص برأسه والحق به الزوجة فانقطع صراخها والتفت لدموع ابنته يمسح بها جلده الخشن السميك عله يعطيه بعض الطراوة. وسال دمها بين فخذيها ليختلط بدم أبيها الذي ظلت عيناه مفتوحان جزعاً دون أن تريا شيء.
الشاعر منشدا
« كل شيء يتهدم ويتكلل بالفناء
كل شيء ينحت أشرعته في الرماد
لا فردوس ينجيني من عصمة الجرح
ولا ميراث يقوض قوانين موتي التي تقرضها الدودة اللزجة
صرخة جافة تزيح ضماناتي في العيش
وترفع عني في سقوط النيزك كل حصانة
آلامي طيور تمضي عبر ليل العصور »
تشفى الشامتون بالعراق عندما كبا ، واستبيحت أرضه وسماءه. تناهى إلى الأسماع في المجالس العامة والخاصة وشايات وشائعات. أقساها كما هو متوقع من نصيب المرأة. لكن.. ليت للكن ألف لسان لتجيب
لكنها نصف الدورة لها لل الما.. والنصف الأخر بعلقمه إذا لم يزد
ملاحظة : النصوص الشعرية للشاعر العراقي الكبير نصيف الناصري من ديوانه الأخير “بين خرائب محنتنا”. 2011
الخط الساخن
صور من المعركة
الخط الساخن
(( عندما كنا مواطنين بدرجة مرعوب كنا نعيش زمن الحرب. يعرضون لنا على شاشات التلفاز صورا لقتلى .كانت الصور صامتة . لا تقل لنا ولا نقل عنها شيئا كنا نحدق بها وهي تحمل عنوان صور من المعركة .. كانت معركة طويلة واحدة تدور في جبهات بعيدة.تحرقنا بشظاياها، وتخطف خيرة رجالنا... مضى زمانها وانتهت . كبرنا صرنا بدرجة مذهول ولم يعد التلفاز يعرض علينا صورا صامتة لقتلى فحسب بل صارت تصاحبها كل الوسائل المساعدة من صراخ وعويل وتصريحات تعددت جبهاتها لكن غايتها ظلت واحدة تريد حياتنا. لتلقي بجثث أيامنا على قارعة العبث كل يوم ))
حطت حمم الموت على العاصمة الجائعة .. بدأت جراح المدن تنزف. قتل الكثير من الرجال في ساحات الدفاع عن شرف وطن مهما كان الذي يحكمه . لكن صدورهم لم تكن كافية كي ترد الطوفان الذي ساهم أتباع المحتل في إغراق البلاد به. في بيوتهن بقين الكثيرات يغلف حياتهن الغد المجهول الملامح.
في مدينة أوربية
رغم ابتعادها عن الوطن مجبرة بسبب خياراتها الفكرية لكن قلبها خبر محنته وعرف علته. لا تضيع وقتها بتقليب صفحات الموضة ، ولا التجول في عيادات التجميل لحشو الشفاه والصدر والأرداف بما يؤهلها لحمل لقب مثيرة.
همها من نوع أخر.. تراها متوثبة . مشحونة. مدمنة على خطوطها الساخنة تبحث مع صويحباتها المهمومات بالشأن النسوي عن حلول لمشاكل المرأة في كل البلاد العربية ومنها العراق.
العراق... في أي مكان تحت الاحتلال
أخرجوها عند مغيب الشمس ، تطلعت بها العيون واقتيدت حيث أريد لها صيد سهل ، مجاني ، بعدما أحالها دمار البلد إلى ملكية مشاعة بحجة الأمن والحفاظ عليه، ومتابعة المارقين عن القانون وملاحقتهم. عاشت عذابات الاغتصاب والامتهان الجسدي بحجة انتزاع الاعترافات عن أماكن اختفاء رجالها!. قصصا من السجون مكدسة على رفوف الزمن خطت بمداد أسود لضمائر استمرئت الجريمة وأمنت عقابها.
من دولة أوربية
تكتب رسائلها التفصيلية للمنظمات الإنسانية ، تفتح بلا هوادة خطوط الاتصالات معها و مع كل جهة يمكنها التحرك للمساعدة وفضح ما يجري في قنوات الأعلام المختلفة ،اضافة لمنظمات المجتمع المدني والدوائر الحكومية لكي تعي بان ما يحصل ليس بخافي عن العيون. عل بعضها يستجيب ، ولتوثق بالتالي مجمل تلك الحقائق، فالتاريخ لا يهمل ولا يسقطها من حساباته مهما طال الزمن وظن مرتكبوها بان ذاكرته عتقت.
في مكان ما من العراق المحتل
تتضاءل بعينها الرغبة بالحياة ، تتطلع في الوجوه بلا اكتراث طالت مدة سجنها. وخلف القضبان عاشت كما عشن عشرات العراقيات أوقاتا عصيبة ...تعرضن لما يندي له جبين الزمن عند ذكره. كانت تصفيات حساب في بعضها مع مرتكبي مثل هذه الأعمال في سجون النظام السابق، ونهم وحوش كاسرة وعصابات ملكت السلطة بزمن رديء لبعضها الأخر. أم أمراض وأحقاد دفينة لبعض لم يجد بدأ من إطلاق العنان لها لتعيث فسادا.
أضربت عن الطعام . ذبل عودها. شحب لونها وكثرت إغماءاتها. لم تعد تنطق بكلمة رغم ما تعانيه من الضرب والتعذيب، فقرروا إخلاء سبيلها بعدما تأكدوا من قرب اجلها.
خطت إلى داخل البيت بخطوات مترددة ، في غرفة الجلوس رأت أمها وقد شاخت . استقبلتها بعيني منكسرة. ساعات صمت وقف عدها عندما أضرمت بنفسها النار بصوت مكتوم ردت على عذابات الحريق المستعر بكل جسدها، وقبل أن تودع العالم لمحت أمها العجوز وهي تزحف نحوها بعدما شلتها نكباتها تنوح بلوعة توجع القلب.
في مدينة أوربية
علينا إيجاد طرق تستجيب بها الحكومات المحلية والمركزية لطلباتنا ، يجب حماية النساء من العنف ، وإبعادهن عن ويلات الحرب ونتائجها الكارثية..راحت تخاطب نظيرتها عبر الخطوط الساخنة التي ابتكرتها مع غيرها من النسوة لملاحقة ما يحصل من دمار في العراق. والمساهمة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه. والحد من الكوارث التي تصيب المرأة وتهدد حياتها وآسرتها. تقلب أوراق الإحصائيات التي أعلنتها بعض مؤسسات المجتمع المدني ، تؤكد ازدياد النساء اللواتي تعرضن للضرب والسجن والاغتصاب والاعتداءات الجسدية والقتل. وراحت تحث محدثتها بالقول: علينا تفعيل وسائل جديدة لمواجهة مثل هذه الانتهاكات.
العراق في أحدى مدنه
فقد وظيفته. لم يستوفي الشروط اللازمة للحصول على وظيفة في عراق اليوم. التقارير المدسوسة والوشاية المنقولة عنه تؤكد: بأنه رجل الحكم السابق (البائد) . لم يعد باستطاعته تغطية نفقات الأسرة . صار لزاما عليه البحث عن عمل لكن البطالة مستفحلة. والفساد ينخر في أركان الدولة التي بليت بحكومات لا تشبع من السرقة والنهب وهدر الثروات. لم يجد غيرها متنفسا . صار يضربها ويمتهنها بوحشية هربا من عجزه والضغوط التي تكبله.
بين جوع صغارها وقسوته وتعذيبه تضرم بنفسها النار ... تتعالى صرخات الصغار بينما انزوت في أقصى الزاوية مخافة أن تلوحهم بعض السنة اللهب التي راحت تلتهمها بشهية.
من احد مدن أوربا
تحزم حقيبتها ، تأخذ معها ذخيرة حية من قوة الأعصاب والجرأة لاحتمال مواجهة كل شيء بما فيه الموت... تقرر السفر إلى العراق . تستمع إلى النسوة ، تسجل معاناتهن من أفواههن. علها تستطيع بهذه التقارير إيقاظ الضمير الإنساني ،وردع ذلك الذي يغفو في أروقة المنطقة الخضراء أو أي تسميات أخرى في البلاد والعالم.
العراق في العاصمة
شملتها لعنة التهجير مع عائلتها. وصلتهم ورقة التهديد التي يستمتع المجرمون بدسها تحت أبواب البيوت ليجبروا السكان على مغادرة مناطقهم السكنية. في العام يقولون أنها متبادلة بين السنة والشيعة أي يقوم هؤلاء بطرد هؤلاء من مناطقهم . لكن الحقيقة تقول أنها اكبر عملية تطهير عرقي في العراق خلفت في أثرها ما يقارب المليوني مهجر داخل العراق وستة ملايين يهيمون على وجوههم أم ينزون في بقاع العالم بحثا عن غد يأتي ببصيص أمل يعيدهم لوطنهم.
حددوا برسالتهم المهلة الممنوحة للرحيل خرجت العائلة مفزوعة لا قانون يحميها ولا سلطة تردع الجناة. تركت مدرستها كما فعل أخوتها الصغار. شهور ظلت تعاني الويلات كي تلحق بأحد المدارس لإكمال دراستها دون جدوى. أوراقها غير كاملة . أبوها الذي حاول استحصال وثيقة من مدرستها السابقة تلقى تهديدا بالقتل إذا ما اقترب من المنطقة . أغلقت بوجهها كل الأبواب توسلت المديرية التي حلت بها بمفاتحة مديريتها السابقة. فجاء الجواب سلبا. حاولت مع المدرسة فتعذرت بكثرة مشاغلها وهي من مسؤولية الطلبة بنقل وثائقهم لا شان للمدرسة لتقوم بمثل هذه الخدمة.
مرت الأسابيع وهاهي الامتحانات الثانوية في صباح الأول جمعت كتبها وصعدت إلى سطح الدار .أضرمت بنفسها النار وهي تحتضن كتبها التي منعت من إدلاء شهادتها بمدى حبها وتفوقها في معرفة محتوياتها.ومن تحقيق حلمها بالجلوس على مقاعد الجامعة.
العراق
تدور بلا كلل تجمع الاستبيانات . تسأل . تملأ الصفحات . تجمع الحقائق تتجلد وتظهر الصلابة في متابعة المشوار الملغوم بالمآسي حتى يتراخى القلب فيملأه الحزن واللوعة على أبواب المسئولين أقفال محكمة يصعب اقتحامها . كلماتها في أذانهم بطر وليس من أساسيات برامجهم السياسية.تطرق ما قويت يداها على الطرق. ثم تعود لتحزم حقيبتها التي غلفها رماد النساء اللواتي اشتعلن بلهيب الاحتلال و آثاره.
الخميس، 26 مايو 2011
لوحة الراهبة
لوحة الراهبة
رواية للاديب اللبناني المعروف قاسم قاسم
في روايته لوحة الراهبة.. يصور لنا الروائي اللبناني قاسم قاسم صورا متلاحقة ومتعددة من تاريخ بلده لبنان ..عبر قصة حب حالمة بين فنان شاب وجارته. وتتخللها الأحداث لتصب في بوتقة المعاناة التي مر ويمر بها الناس في زمن الحرب.
لم يترك قاسم للقارئ فرصة التثاؤب والتبرم . ففي سرده السهل الممتنع جمع بين خيوط عدة من ثقافة ألقت الثقافة الفرنسية بظلالها الواضحة عليها فتجد رشاقة الجملة وحضارية العلاقات والتي تعكس إضافة إلى الذوق الرفيع نوعية الشخوص الذين أستحدثهم في روايته.
لم يلتف قاسم كثيرا للمثيرات الجنسية رغم رغبتها بإغوائه طيلة الرواية . ولكنه ظل وفيا لهدف روايته في عكس واقع الحال المرير في مدينته التي مزقتها الحرب وأحالتها إلى مسرح مهجور في أحيان كثيرة بسبب القذائف وصفارات الإنذار.
قصة الحب التي ترافقها في سرد يدهشك بامتلاكه شروط الاحتيال على الدوام ، وتحتفظ بإسرارها إلى النهاية دون ان تترك لك ولا لصفحة إمكانية توقع ما سيحدث. لقد ذكرني قاسم بشاتوبريان واندرية جيد كثيرا . لا ريب فالأدب الفرنسي حاضر بشدة في الذاكرة اللبنانية وفي تكوين أدبائها وكتابها. فأنت تقرأ في فقرات عدة بقراءتك لأدب فرنسي بالعربية. وتلمس رقة العبارات وهدوء الأحداث رغم تلاحقها وتسارعها وتمكنها من شد اهتمامك إلى النهاية.
كيف تتعاطى مع رسائل قاسم قاسم هذا شأنك الذي ترك لك الخيار فيه بلا شك . لكن ما أراد قوله في عمود روايته قد فعله. في نقطة الالتقاء بين القارئ والراوي قال ما يريد وسمعته او ستسمعه عندما تقرأ الرواية أما رسائله الأخرى فعليك فك طلاسمها لوحدك ، والسهر لها ومعها كي تتعرف عليها عن كثب.
ربما لتمكنه من صنعته لم يرتبك قاسم بأوليات القصة . الطائفية المذهبية . الحرب.أسبابها. الأطراف المتنازعة . الحق مع من . من المذنب . كوارثها . نتائجها. نأى بنفسه عن كل ذلك كما نأى بنفسه عن الانزلاق في متاهة الاستغراق في تصوير مشاهد الحب بين الحبيبين . بل تركهما كلوحتين باذختي الجمال تكتملان روعة بعرضهما في أروقة أفخم قاعات العرض يومياتنا، للاحتفاء بهما.
في الخط الدرامي الذي تصاعد في الرواية عند اختفاء البطلة وبحثه عنها أوجز قاسم مقصده بدقة، واعتنى بإعطائه مساحة كافية في روايته. وترك كل ما تم قبل وبعد ذلك أحداثا ثانوية. الراهبة ولوحتها. الرهبنة وطقوسها . وحتى العدول عنها كقرار نهائي تناوله ببساطة وسلاسة يحسد عليها دون التطرق ولا بكلمة بسوء لاختيار أي راهبة.
قاسم يدعو في روايته للكثير ولا يخاف أحدا . يتعثر وينهض. يخطئ ويصيب.يعيد الحياة إلى أبطاله بعد انقطاعها. يترك البط يسبح في البركة ويغفو على أريكة الكنيسة. يدخن السيكار ويغامر بباقي حياته. يبقي الجميع في البيوت ، الذين تفرض عليهم الحرب والحياة سلوكا قصريا لا يريدونه فما كانت فتاته لتهرب لولا قرار أهلها إبعادها عنه. لكنها في ضياعها تكتشف بان حبها يستحق المحاولة وتعود للحياة عند أخر محطة. شباب المدينة المنهك من الحرب ينهض ويواصل ، رغم مصابه ومعاناته.
رواية في غاية الأناقة .سردها قاسم قاسم بمتعة . ولم يترك الدموع تهطل مدرارا لكنه ترك أسئلة تحتاج إلى إجابات . ووقفات تحتاج للتذكر في كوارث تلاحق كل البلاد وليس لبنان وحدها اذا ما حل بها مصاب الحرب والدمار والاقتتال. لم تلتقط عدسته مشاهد الموت والدمار بل اعتنى عناية خاصة بالدمار الداخلي وصوره بإتقان.
رواية لوحة الراهبة تستحق القراءة . وهي نموذج من الأدب الحديث الذي يتناول المأساة والحروب في حياتنا دون صراخ وعويل بل بهدوء وحنكة.
د. شذى
صور من المعركة الخط الساخن
صور من المعركة
الخط الساخن
(( عندما كنا مواطنين بدرجة مرعوب كنا نعيش زمن الحرب. يعرضون لنا على شاشات التلفاز صورا لقتلى .كانت الصور صامتة . لا تقل لنا ولا نقل عنها شيئا كنا نحدق بها وهي تحمل عنوان صور من المعركة .. كانت معركة طويلة واحدة تدور في جبهات بعيدة.تحرقنا بشظاياها، وتخطف خيرة رجالنا... مضى زمانها وانتهت . كبرنا صرنا بدرجة مذهول ولم يعد التلفاز يعرض علينا صورا صامتة لقتلى فحسب بل صارت تصاحبها كل الوسائل المساعدة من صراخ وعويل وتصريحات تعددت جبهاتها لكن غايتها ظلت واحدة تريد حياتنا. لتلقي بجثث أيامنا على قارعة العبث كل يوم ))
حطت حمم الموت على العاصمة الجائعة .. بدأت جراح المدن تنزف. قتل الكثير من الرجال في ساحات الدفاع عن شرف وطن مهما كان الذي يحكمه . لكن صدورهم لم تكن كافية كي ترد الطوفان الذي ساهم أتباع المحتل في إغراق البلاد به. في بيوتهن بقين الكثيرات يغلف حياتهن الغد المجهول الملامح.
في مدينة أوربية
رغم ابتعادها عن الوطن مجبرة بسبب خياراتها الفكرية لكن قلبها خبر محنته وعرف علته. لا تضيع وقتها بتقليب صفحات الموضة ، ولا التجول في عيادات التجميل لحشو الشفاه والصدر والأرداف بما يؤهلها لحمل لقب مثيرة.
همها من نوع أخر.. تراها متوثبة . مشحونة. مدمنة على خطوطها الساخنة تبحث مع صويحباتها المهمومات بالشأن النسوي عن حلول لمشاكل المرأة في كل البلاد العربية ومنها العراق.
العراق... في أي مكان تحت الاحتلال
أخرجوها عند مغيب الشمس ، تطلعت بها العيون واقتيدت حيث أريد لها صيد سهل ، مجاني ، بعدما أحالها دمار البلد إلى ملكية مشاعة بحجة الأمن والحفاظ عليه، ومتابعة المارقين عن القانون وملاحقتهم. عاشت عذابات الاغتصاب والامتهان الجسدي بحجة انتزاع الاعترافات عن أماكن اختفاء رجالها!. قصصا من السجون مكدسة على رفوف الزمن خطت بمداد أسود لضمائر استمرئت الجريمة وأمنت عقابها.
من دولة أوربية
تكتب رسائلها التفصيلية للمنظمات الإنسانية ، تفتح بلا هوادة خطوط الاتصالات معها و مع كل جهة يمكنها التحرك للمساعدة وفضح ما يجري في قنوات الأعلام المختلفة ،اضافة لمنظمات المجتمع المدني والدوائر الحكومية لكي تعي بان ما يحصل ليس بخافي عن العيون. عل بعضها يستجيب ، ولتوثق بالتالي مجمل تلك الحقائق، فالتاريخ لا يهمل ولا يسقطها من حساباته مهما طال الزمن وظن مرتكبوها بان ذاكرته عتقت.
في مكان ما من العراق المحتل
تتضاءل بعينها الرغبة بالحياة ، تتطلع في الوجوه بلا اكتراث طالت مدة سجنها. وخلف القضبان عاشت كما عشن عشرات العراقيات أوقاتا عصيبة ...تعرضن لما يندي له جبين الزمن عند ذكره. كانت تصفيات حساب في بعضها مع مرتكبي مثل هذه الأعمال في سجون النظام السابق، ونهم وحوش كاسرة وعصابات ملكت السلطة بزمن رديء لبعضها الأخر. أم أمراض وأحقاد دفينة لبعض لم يجد بدأ من إطلاق العنان لها لتعيث فسادا.
أضربت عن الطعام . ذبل عودها. شحب لونها وكثرت إغماءاتها. لم تعد تنطق بكلمة رغم ما تعانيه من الضرب والتعذيب، فقرروا إخلاء سبيلها بعدما تأكدوا من قرب اجلها.
خطت إلى داخل البيت بخطوات مترددة ، في غرفة الجلوس رأت أمها وقد شاخت . استقبلتها بعيني منكسرة. ساعات صمت وقف عدها عندما أضرمت بنفسها النار بصوت مكتوم ردت على عذابات الحريق المستعر بكل جسدها، وقبل أن تودع العالم لمحت أمها العجوز وهي تزحف نحوها بعدما شلتها نكباتها تنوح بلوعة توجع القلب.
في مدينة أوربية
علينا إيجاد طرق تستجيب بها الحكومات المحلية والمركزية لطلباتنا ، يجب حماية النساء من العنف ، وإبعادهن عن ويلات الحرب ونتائجها الكارثية..راحت تخاطب نظيرتها عبر الخطوط الساخنة التي ابتكرتها مع غيرها من النسوة لملاحقة ما يحصل من دمار في العراق. والمساهمة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه. والحد من الكوارث التي تصيب المرأة وتهدد حياتها وآسرتها. تقلب أوراق الإحصائيات التي أعلنتها بعض مؤسسات المجتمع المدني ، تؤكد ازدياد النساء اللواتي تعرضن للضرب والسجن والاغتصاب والاعتداءات الجسدية والقتل. وراحت تحث محدثتها بالقول: علينا تفعيل وسائل جديدة لمواجهة مثل هذه الانتهاكات.
العراق في أحدى مدنه
فقد وظيفته. لم يستوفي الشروط اللازمة للحصول على وظيفة في عراق اليوم. التقارير المدسوسة والوشاية المنقولة عنه تؤكد: بأنه رجل الحكم السابق (البائد) . لم يعد باستطاعته تغطية نفقات الأسرة . صار لزاما عليه البحث عن عمل لكن البطالة مستفحلة. والفساد ينخر في أركان الدولة التي بليت بحكومات لا تشبع من السرقة والنهب وهدر الثروات. لم يجد غيرها متنفسا . صار يضربها ويمتهنها بوحشية هربا من عجزه والضغوط التي تكبله.
بين جوع صغارها وقسوته وتعذيبه تضرم بنفسها النار ... تتعالى صرخات الصغار بينما انزوت في أقصى الزاوية مخافة أن تلوحهم بعض السنة اللهب التي راحت تلتهمها بشهية.
من احد مدن أوربا
تحزم حقيبتها ، تأخذ معها ذخيرة حية من قوة الأعصاب والجرأة لاحتمال مواجهة كل شيء بما فيه الموت... تقرر السفر إلى العراق . تستمع إلى النسوة ، تسجل معاناتهن من أفواههن. علها تستطيع بهذه التقارير إيقاظ الضمير الإنساني ،وردع ذلك الذي يغفو في أروقة المنطقة الخضراء أو أي تسميات أخرى في البلاد والعالم.
العراق في العاصمة
شملتها لعنة التهجير مع عائلتها. وصلتهم ورقة التهديد التي يستمتع المجرمون بدسها تحت أبواب البيوت ليجبروا السكان على مغادرة مناطقهم السكنية. في العام يقولون أنها متبادلة بين السنة والشيعة أي يقوم هؤلاء بطرد هؤلاء من مناطقهم . لكن الحقيقة تقول أنها اكبر عملية تطهير عرقي في العراق خلفت في أثرها ما يقارب المليوني مهجر داخل العراق وستة ملايين يهيمون على وجوههم أم ينزون في بقاع العالم بحثا عن غد يأتي ببصيص أمل يعيدهم لوطنهم.
حددوا برسالتهم المهلة الممنوحة للرحيل خرجت العائلة مفزوعة لا قانون يحميها ولا سلطة تردع الجناة. تركت مدرستها كما فعل أخوتها الصغار. شهور ظلت تعاني الويلات كي تلحق بأحد المدارس لإكمال دراستها دون جدوى. أوراقها غير كاملة . أبوها الذي حاول استحصال وثيقة من مدرستها السابقة تلقى تهديدا بالقتل إذا ما اقترب من المنطقة . أغلقت بوجهها كل الأبواب توسلت المديرية التي حلت بها بمفاتحة مديريتها السابقة. فجاء الجواب سلبا. حاولت مع المدرسة فتعذرت بكثرة مشاغلها وهي من مسؤولية الطلبة بنقل وثائقهم لا شان للمدرسة لتقوم بمثل هذه الخدمة.
مرت الأسابيع وهاهي الامتحانات الثانوية في صباح الأول جمعت كتبها وصعدت إلى سطح الدار .أضرمت بنفسها النار وهي تحتضن كتبها التي منعت من إدلاء شهادتها بمدى حبها وتفوقها في معرفة محتوياتها.ومن تحقيق حلمها بالجلوس على مقاعد الجامعة.
العراق
تدور بلا كلل تجمع الاستبيانات . تسأل . تملأ الصفحات . تجمع الحقائق تتجلد وتظهر الصلابة في متابعة المشوار الملغوم بالمآسي حتى يتراخى القلب فيملأه الحزن واللوعة على أبواب المسئولين أقفال محكمة يصعب اقتحامها . كلماتها في أذانهم بطر وليس من أساسيات برامجهم السياسية.تطرق ما قويت يداها على الطرق. ثم تعود لتحزم حقيبتها التي غلفها رماد النساء اللواتي اشتعلن بلهيب الاحتلال و آثاره.
الثلاثاء، 24 مايو 2011
صور من المعركة..سيدتا اللوحة والحزن
صور من المعركة
سيدتا اللوحة والحزن
(( عندما كنا مواطنين بدرجة مرعوب كنا نعيش زمن الحرب. يعرضون لنا على شاشات التلفاز صورا لقتلى .كانت الصور صامتة . لا تقل لنا ولا نقل عنها شيئا كنا نحدق بها وهي تحمل عنوان صور من المعركة .. كانت معركة طويلة واحدة تدور في جبهات بعيدة.تحرقنا بشظاياها، وتخطف خيرة رجالنا... مضى زمانها وانتهت . كبرنا صرنا بدرجة مذهول ولم يعد التلفاز يعرض علينا صورا صامتة لقتلى فحسب بل صارت تصاحبها كل الوسائل المساعدة من صراخ وعويل وتصريحات تعددت جبهاتها لكن غايتها ظلت واحدة تريد حياتنا. لتلقي بجثث أيامنا على قارعة العبث كل يوم ))
عن بغداد بدايات القرن العشرين
سيدة اللوحة المضيئة
الصورة الأولى
جلست تقص على مضيفها رحلة السنوات. هناك عندما كانت بغداد عاصمة الرشيد تنفض عنها في ثلاثينيات القرن الماضي غبار الاستعمار الحديث وتخطو نحو المستقبل بثقة وكفاءة. تابعها أبوها بعين المحب الفخور خطوة خطوة. كلما لمح فيها ميلا لفن و رغبة لهواية سارع لرعايتها كأنها برعم في بستانه. رآها تعشق الشعر فهرع ليحضر أستاذا يعلمها بحوره. وعشقت الموسيقى فسارع لتعليمها العزف. وتنوعت هواياتها ولم يمل في رعايتها.
بلاد الرافدين بدايات القرن الواحد والعشرين
سيدة الحزن
الصورة الثانية
تجلس منزوية . تتوشح السواد لا يشغل وقتها إلا القلق والخوف على صغارها. ورجلها الذي خرج لتوه مخافة أن يغيبه الموت المتربص بالعراقيين في الطرقات. بارود يحرق كل الطرقات والبنايات والمقاهي ويغلف الأرصفة بالدم القاني ويختلط بمياه الشوارع الآسنة فيترك الجثث صامتة تنتظر الجزعين ليزيحوها بانتظار جثث أخرى لتحل محلها.
بغداد منتصف القرن العشرين
سيدة اللوحة المضيئة
الصورة الثالثة
عشقت اللون والفرشاة وراحت تصنع لوحاتها. اختارت اسطواناتها لتعبئها باللون ، تتقدم للدراسة الأكاديمية فيكسر أستاذها اسطواناتها ويدعوها لتعلم الفن بجد. تغضب وتقرر ترك الفن ونسيانه. يعود أبوها لثنيها عن عزمها ويؤكد لها بان الأستاذ على حق .. الم يقولوا امشي وراء الذي يبكيك، بدموعك ستتعلمين. لم يجزع من الإيمان بقدرتها وإمكانية بناء مستقبلها. فتاة مبدعة تحقق طموحها ويخلي مسؤوليته في تربيتها على أتم وجه.
بلاد الرافدين بداية القرن الواحد والعشرين
سيدة الحزن
الصورة الرابعة
لم يعد للون وبهجته اثر في مظهرها. صار التيار الديني السيد المتحكم بالمشهد . بعضهم يؤكد حقيقة استمرار السياسة القديمة للرئيس العراقي السابق صدام حسين عندما تحول في أخر فترات حكمه إلى متدين رافعا شعار الحملة الإيمانية. لكن العراق اليوم تحكمه التيارات الدينية بكل أطيافها من كلا المذهبين الشيعي والسني وكلها تشترك في بقاء سلطة التحكم بمظهر المرأة وحجابها في يده حفاظا على هيبتها ـ بالطبع التيارات وليس المقصود المرأة ـ وتحقيقا لبرامجها وأجنداتها وان اختلفت من مذهب لأخر.
في الحضانة تعلم كيف تستحضر وتعد لمواكب العزاء على أرواح الأئمة الخالدين ، وتلقن بإتقان اللطم وترديد الأناشيد الدينية. الموسيقى والشعر والغناء والفن ربما لا يجدر بها تعلمهم .فهي للسلفيين السنة فسادا وكفر وللشيعة لعله حرام إلا الذي يكتب أو يعد في حب أل البيت.
سيدة اللوحة المضيئة
عواصم العالم المتقدم ستينات القرن العشرين
الصورة الخامسة
تتبختر في ألوانها المنتشرة ببذخ على لوحاتها. والتي صبغت ثيابها تنتقل من عاصمة لأخرى ، تذكر بضم التاء ببغداد وحكاياتها أو كما يسميها الألمان بلاد الصباح التي تشرق فيها الشمس كل يوم بلا كلل. وتغريهم لزيارتها وتحفز خيال كتابها وعباقرتها في استلهام روائع الأدب من قصصها و أسرارها وسحرها الذي لا ينضب. تتحدث سيدة اللوحة بثقة وفصاحة وتتسع لها العيون إعجابا و أكبارا ودهشة.
بلاد العالم بدايات القرن الواحد والعشرين
سيدة الحزن
الصورة السادسة
عواصم العالم تتردد في استقبالها. ثيابها الرثة ، أو التي عفرها تراب السفر في رحلة مرهقة كانت بها مختبئة في سيارة نقل قديمة أم زاوية مجهولة من مركب اخذ منها كل مدخراتها التي قايضت بها بيتها وتاريخها وممتلكاتها في العراق لتنفذ بصغارها من الموت والدمار . تتطلع الوجوه فيها بلا مبالاة واستنكاف، ثم بكثير من التبرم لثقل حضورها وحسرة على الحدود التي لم تحرس جيدا لتتمكن هي وصغارها من التسلل إلى داخل البلاد ،ثم تجبرهم بعد ذلك على استقبالها والتعامل معها كواقع حال.
بغداد منتصف الخمسينات
سيدة اللوحة المضيئة
الصورة السابعة
تجلس الفنانة وقد اكتملت لوحتها تلقي عليها نظرة المتوجس الباحث عن الأفضل. يقاطعها صوت بنعومة ليعرض عليها شريك عمر تقدم للزواج منها. تجيب بهدوء يوازي ذاك الذي تشرع فيه لرسم لوحة جديدة. لا مانع لدي اسألوا عنه فان وثقتم به فسأتزوجه.
عواصم عربية بدايات القرن الواحد والعشرين
سيدة الحزن
الصورة الثامنة
منكمشة تتنازعها الوساوس وتخاف طرقات الأبواب ، غاب السند ذبح بسكين مجهول الهوية ظلت وحيدة، رضيت بأحقر الأعمال دون بيع كرامتها، وباجر زهيد لكن حسنها ونضارتها ظلتا تطاردهما الضباع، لو تمكنت من إيجاد المعين والسند ليؤمن لها طرق الصباح ، ويسكن عنها وحشة الليل. لا احد يكترث بها والألسنة تلوك صبرها ، وتبتكر خرافات لزجة لتعلق بها أقدامها الحافية.
بغداد العقد الأول من القرن الواحد والعشرين
سيدة اللوحة المضيئة
اللوحة التاسعة
تتوكأ على هاجسها، ورصيدها من الحب أودعته مدينتها التي تربت وترعرعت فيها ، نخيلها وعطر أزهارها. مآذنها، و أجراس كنائسها، أسواقها ، طرقاتها، صباياها، حسانها، والجدية التي تخفي طيبة رجالها، شلالات التسامح والمحبة بين أبنائها، مروءة أناسها، أزقتها ، أبوابها ، قشلتها، متاحفها، كتبها ،ومكتباتها العتيقة، باعتها، وسائقي أجرتها..... تقدمت لشراء بعض الفاكهة أرادت انتقاء فاكهتها وتبادل أطراف الحديث مع البائع صرخ بها معنفاً. ارتجفت كالعصفور معتذرة... آسفة آسفة غلفها الإحباط . أين أنت بغدادي التي حلمت وعشت فيها
أين مسارحك ودور السينما التي كنا نرتدي لعروضها أجمل ملابسنا ، وكان الشباب الشهم المهذب ينبري لشراء تذاكر للنساء واحترام صفوفهن وعدم الإخلال بالأدب العام ولا بهندامهم المميز عند حضورهم كل عرض .. حزمت حقيبتها من جديد بيد ترتعش محدقة في فضاء لوحتها الشاسع بأي الألوان سترسمه عن ماذا ستتحدث لوحتها القادمة.
ملاحظة: طويلة وزاخرة قائمة الرائدات والمتميزات من الفنانات العراقيات والتشكيليات على وجه الخصوص، واللوحات المأخوذة من معارض الفنانة الرائدة وداد الاورفه لي. وعلها تتقاسم نفس الملامح والألوان ،والمواضيع مع صويحباتها من الفنانات وتلتقي معهن في الخطوط العريضة فهي عن واحدة في الكل . أو عن كل تؤدي دوره واحدة.
الجمعة، 20 مايو 2011
صور من المعركة
أين رجالهن؟
(( عندما كنا مواطنين على درجة مرعوب كنا نعيش زمن الحرب. يعرضون لنا على شاشات التلفاز صورا لقتلى .كانت الصور صامتة . لا تقل لنا ولا نقل عنها شيئا كنا نحدق بها وهي تحمل عنوان صور من المعركة .. كانت معركة طويلة واحدة تدور في جبهات بعيدة.تحرقنا بشظاياها، وتخطف خيرة رجالنا... مضى زمانها وانتهت . كبرنا صرنا على درجة مذهول ولم يعد التلفاز يعرض علينا صورا صامتة لقتلى فحسب بل صارت تصاحبها كل الوسائل المساعدة من صراخ وعويل وتصريحات تعددت جبهاتها لكن غايتها ظلت واحدة تريد حياتنا. لتلقي بجثث أيامنا على قارعة العبث كل يوم ))
أتين مثل العشرات من النسوة من مكان ما من بغداد
ربما في الكرخ أو في الرصافة لتشكل صورا لحال عاصمة غادرتها البهجة والأمان منذ زمن بعيد، وعلت فيها أصوات الأشباح ورسل الموت
كل الصور التي تعرضها الشاشات تتقاسمها ملامح مشتركة. الجزع .. الحزن .. رغبة جامحة للحياة .
في ساحة التحرير
الصورة الأولى .. عجوز منهكة ،تسمرت نظراتها على محدثها تماما مثلما عباءتها على رأسها تسرد بصوت جفت مرارته
كان لي ثلاثة أولاد وراحت تعد على أصابعها كمن يعد أشجار حديقته التي اقتلعت غدرا..واحد قتله مغاوير الداخلية في ساحة النسور. .. وتابعت تعدد قتلاها ، الصورة طغى عليها وجهها رغم ما يحيط به من عشرات المتظاهرين. تتساءل أين دموعها ربما شربتها النكبات تباعا وشحت مثل فرصها بالحياة. ليس لها في هذا العالم سوى هذه الشكوى التي تبذر بها السخط والحزن والتحدي بنفوس الباقين من هذا البلد الذي ينحر كل يوم كي يبقى أما هي فلا معين ولا سلوى لها ولا غد سوى كلمات تتقاسمها مع عجوزها الثمانيني كما قالت
يتراءى لك شبح في سوداوية المشهد . يصرخ ويلتهم سكينتك وخدرك .. احنه أخذناها وفلا ننطيها
الصورة الثانية
إن صعب عليك تقدير عمرها فلن يصعب عليك الأسى لحالها ولبساطتها. تحمل صورة ابنها وتصيح كأن عدسة الكاميرا باب سماء فتح لها .. أريد ابني رأيته على شاشة التلفاز عندما عرضوا صورا للسجون السرية. قولوا للمالكي أريد ابني أخذوه مني ليس لي سواه يكد ويكدح على تسعة أفراد . ليس لنا معين من بعده أريده من المالكي امشي عليه العباس .. امشي عليه الله. أريد ابني واختنقت بالحسرة والدموع وغرقت منها الكلمات.. لكن الأشباح لم تختفي من خلفية المشهد الكئيب ظلت تلاحقه بينما راح صراخها يزداد حدة
احنه أخذناها وفلا ننطيها
الصورة الثالثة.. سيدة في أواخر الثلاثينات تمتد قامتها بشموخ لا يعرف سره إلا الأرض التي جبلتها. صاحت متهكمة : المالكي لا يعرف بالسجون السرية .. يعرف فقط الأشراف عليها.. ارتجفت الأرض حتى لتظن للحظة بان الأشباح انهزمت لكنها ظلت تصيح وبإصرار مخيف.. احنه أخذناها وفلا ننطيها.
تعبت العين .. طأطأت تريد البحث عن مخرج من الجو المأساوي القاهر .ومشاهد الفواجع الذي لا تنتهي حلقات مسلسله. لكن البال ظل مشغولا بالأشباح والصارخين على عرض شاشات الأرض..
احنه أخذناها وفلا ننطيها..
ترى ممن أخذوها ولمن لا يريدون إعطائها. سؤال قد يلحق بسؤال الهامة المديدة لعراقية تهكمت سائلة عن السجون السرية والعلنية أكثر منها بكثير.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)