صارت الأكلات مملة
اعدادها يثير غضبي
صغارنا لا يبالون
لا تلتمع عيونهم وهم يتناولونها
يحبون السريعة منها
استرقيت السمع اليوم الى قدورنا
كانت تعزف لحنك العزيز
اصابني الخبل لما غرزت احداها في خاصرتي
كما كنت تفعل
التفت فاذا به ذراع احداها طال حتى لامس خصري
قل لي: اهذا انت . كان كل شيء منك هنا . ضحكتك .. انفاسك . والتماعة عينيك . وتوابل شهوتك . لكنك لم تكن يوما ما بخيلاً لتلقيني قبل الوليمة بعيدا عن مائدتك . اين انت ..تعال كي التهمك .
ادرت اليوم جهاز التسجيل
استمعت لأغانينا المفضلة
تذكرت قصصنا الصغيرة التي تشبه قصص العشاق الاخرين
وتختلف عنها في تفاصيل خصوصيتنا
انتعش قلبي للذكريات
وراحت دموعي تغسل روحي من غبار الاهمال
وسألت متى تعود
فبعض الأغاني اختلطت علي قصصها
لا اعرف متى تقاسمناها
وماذا كنا نتحدث عنها
تعال قل لي كي اعيد ترتيبها في ذاكرتي كما ينبغي
عاد الصيف من جديد
وغاضبة لانك لست هنا
لن أستطيع انجاز كل اعمالها لوحدي
تقليب التربة. وتنظيف الاماكن . طلاء الكراسي العتيقة. واعداد فرن الشواء الحجري. خياطة المظلة العتيقة التي عفا عليها الزمن
اه .. اخ .. كم انت عنيد
قلت لك دعنا نبحث عن مظلة اخرى . قلت لا ساحضر الخشب لاصنع قمرية عنب جميلة . لا احب المظلات التي تشوه منظر حدائقنا . لست كسولأ.
لست كسولاً ..تقول لي هذا الأن . تتركني لوحدي
الحديقة كعروش خاوية . تتشابك اغصان اشجارها اليابسة وتتوحد لمقاومتي. وكراسيها تهالكت ونتئ عظمها
و.. و... حسنا لن اسكت خوفا من سخريتك
وانا منذ رحيلك لم تعد يداي تقويان على عمل الكثير
نسفت اخبار رحيلك كل جسور مناعتي المنصوبة بين اصابعي ونياط القلب
وصارت عزيمتي مدنا مهجورة لا تسكنها الا اشباح البؤس
اين انت هل ستتركني لوحدي أواجه الصيف بحديقة لا تزهر ورودها
انقضت أيام احزاني لرحيلك
منذ زمن
صحت اوجاعي من بعدها
وصارت تصاحبني
تسللت رويدا رويدا
الى فراشنا
الذي راح يبكيك
جانبك الخالي يفزعني
حيث السراب
وجانبي ينغزني بشوكه
استباحت الاوجاع فراشنا
وصارت تكتري ساعات الليل لأذلالي
قل لي .. فقط قل لي
كيف أنتفض عليها
كما أنتفضت يوما على أوجاع هذا العالم
قل لي .. فقط قل لي
يذلني الاستسلام
انقضت اسابيع وقوائم المطلوبات اثخنت بالديون
مطلوب قميص جديد لأبنك
وحذاء للأبنتك الصغيرة
احضرت لهم من بيوت اقاربنا
بعض المتطلبات فانخرطوا بالبكاء
لم اعد استطيع تحمل شكواهم
وما عادوا يستمعون لي
كلما حاولت معهم قالوا لو كان أبي....
اخبرني ما عليٌ فعله
اعيتني الحيلة
والجار يناكدني
بشراء الكثير لصغاره
لا أطلب منك الكثير
فقط قل لي ما علي فعله
فانا منهكه ورأسي متعب
وصدرك العريض بعيد
ولا ادري اين ادفن رأسي من بعده
التقيت اليوم صديقتي
تتأبط ذراع زوجها
لما رأتني ضغطت على زنده بقوة
ورمقتني بنظرة شماته
عيرتني بغيابك
وبراحتي يدي الخاليتين من زندك القوي
اسمع .. لن اتذمر بعد اليوم
عد مرة واحدة
لأرد لها الصاع صاعين
واتأبط ذراعك
وارمقها بنظرة شماته
اذا ما اتسع لي وقت
حيثما اتيه في صحبتك حبورا
أجب لعل هناك من يهاتفنا لأمر هام
ربما هو عامل الكهرباء
ام دائرة الماء
علها صديقتي تخبرني عن مواعيد التعيين الجديدة
قد تكون خالتي التي هاجرت .
أم امي التي اضاعتني في طرقات مدينة الضباب
قبل ترحيلي لعدم قبول طلب لجوئي
قد يكون أخي الذي انقطعت اخباره
كان افضل من يحفظ الارقام
عله استقر في عاصمة ما . يرغب بمشاركتي افراحه
لعله ..... لعلها
لما لا ترد لما لم ترد
اين انت
لعلك غائب
هاتفني عندما تحين لك فرصة
تعثرت وانا اخطو اولى خطواتي في مطبخنا بابريق الشاي
لما تركته على الأرض
انت كما انت في كل مرة
لا تريد تعلم النظام الذي اعد للمطابخ
لا تريد اطاعة الأوامر
لا تريد الرضوخ
ماذا علي فعله ؟
كدت ان توقعني وينكسر عظمي
كدت
لكن مهلا ... اين انت الان
لما هذا الصمت
حدثني اشتقت لاثنينك اللذين لا ثالث لهما
مشاكستك وغضبك
لما لم اعد المح وجهك الأسمر
واتحسس أنفاسك .
صباح الخير
شق صمت الفجر هذا الصباح صوت الطائر الأزرق
راهنتني بعدم قدومه هذا العام لمدينتنا
قلت لي: تأخر موسمه لن يأتي
وعللت له طرقه ومساراته في الفضاء
سيرحل أكيد لكنه يرغب دائما بتغيير مدنه
لكنه كان هنا هذا اليوم
شق تغريده سكون الليل
ولمع ريشه في لجة الظلام
وسكبت السماء على جناحيه فضتها
اردتك لاكسب الرهان
لكنك غير موجود
ساسامحك الأن وانتظر
لا تتأخر عليك تسديد رهانك
أعرف لن استعجل
فانت لم تتخلف يوما بتسديد ما عليك

(( عندما كنا مواطنين بدرجة مرعوب كنا نعيش زمن الحرب. يعرضون لنا على شاشات التلفاز صورا لقتلى .كانت الصور صامتة . لا تقل لنا ولا نقل عنها شيئا كنا نحدق بها وهي تحمل عنوان صور من المعركة .. كانت معركة طويلة واحدة تدور في جبهات بعيدة.تحرقنا بشظاياها، وتخطف خيرة رجالنا... مضى زمانها وانتهت . كبرنا صرنا بدرجة مذهول ولم يعد التلفاز يعرض علينا صورا صامتة لقتلى فحسب بل صارت تصاحبها كل الوسائل المساعدة من صراخ وعويل وتصريحات تعددت جبهاتها لكن غايتها ظلت واحدة تريد حياتنا. لتلقي بجثث أيامنا على قارعة العبث كل يوم )
في التاريخ كانت الأمور تنعطف دراماتيكيا في بعض الأحيان لأسباب بسيطة. كان من الممكن حلها مثلا باتصال هاتفي كما قالت لي إحدى الصديقات. أو بتسجيل فلم لكي يغني عن مجلدات تبرير.
لما أقص عليكم ذلك.لكي ابدأ بسرد قصة بطلها رجل دين فاسد ـ جنبكم الله شر الفاسدين ـ ولمن يشك بوجود رجل دين فاسد فما عليه إلا بالبحث على موقع يوتيوب وسوف يسطر لك العشرات منهم.
احدهم بطل قصتنا وهو مؤذن. حيث تبدأ القصة بولد هرول ليخبر أباه بمرارة قائلاً: أبي .. أبي لقد رأيت المؤذن في فراش أمي
لكن الأب الذي ربوه كحالنا قبل ظهور اليوتيوب على الإيمان بان كل ما يلمع ذهبا ، وكل رجال الدين أخيار ولا يمكن أن يكون احدهم فاسدا أبدا رد عليه قائلاُ: الله كريم ابني .. الله ينتقم منه.
الصورة الأولى : إحدى الفنادق الفخمة
يجلسون يحتسون المشروبات. ويتناولون الفطائر. يلتفت بعضهم بين الحين والأخر لربطة عنقه فيمد يده لإصلاحها. أو إعادتها إلى مكانها. يتحدثون عن العراق. والأحوال. ما ألت إليه الأمور.أوضاعه الاجتماعية . عدد الشركات التي راحت تعمل هناك. ولما وصل الأمر للحكام الجدد انبرى احدهم قائلا: فدوى لعينكم خلونا بعيد عن السياسة . ماذا اخذ الذين أضاعوا العمر بالسياسة. اتركوها تصفى لوحدها . لا بد وان تصفى يوم. تهز الأغلبية رأسها بالإيجاب ويتم التصويت على الموافقة بالإجماع.
مازال الصبي يعاني مرارة زيارة المؤذن لفراش أمه. ومازال الأب يواسيه بكرم الله . وانتقامه من المؤذن.
الصورة الثانية: العراقيون في الأسواق
اكتظت مدن عربية مثل عمان ودمشق. القاهرة. بيروت بأعداد غفيرة من العراقيين. سكنوا بيوتا مهدمة،وغير مؤثثة. جاعوا. حرم أطفالهم من حق الذهاب إلى المدارس الاعتيادية. بعضهم أفلس وصار يمتهن أحقر المهن .يذل نفسه من اجل قليل من المال .من يمرض من الأطفال عليه مواجهة الموت بصمت فلا يملك الوالدين تكاليف علاجه . حكام بغداد الجدد آذانهم صماء عن صراخ الأطفال وعويل الأمهات.
يلتقي احدهم ببعض أصدقائه: ما الحل
الثاني: أي حل لاحل . لا غد ولا مستقبل للعراقيين
الثالت: هل سرق العراق
الرابع: هل تعرفون الأحزاب التي تحكم
الخامس : أي أحزاب كلها فاسدة
الاول: لكن بعضها يحاول عمل شيء
الثالث: مهزلة
الاول: دعونا نتابع حزبا او جهة سياسية يمكنها عمل شيء لنا وجمع اصوات لها.
الرابع: من كل عقلك ؟.
الاول : لم لا؟
الرابع: لا شأن لنا بالسياسة . وقد لا يتركونك حيا. ويطردونك حتى من هنا.
الخامس: عمي خلينا بعيد عن السياسة.
الاول: وكيف ستنتخب ان لم تعرف الاسم المرشح.
الرابع: وهل سيتركوننا ننتخب . سرقوا المرة الماضية الصناديق ووقفوا بأبواب المراكز الانتخابية ومنعوا من لا يريدونه.
الاول: الا نغير من هذا الحال.
الرابع: عمي بأي شيء بفقرنا ،وجوعنا . بتشردنا نغير. بالأرض التي نفترشها كل ليلة.
الاول: بتشكيل مجموعات تعمل لتغيير ذلك.
الثالث: عمي من كل عقلك . السياسة لا تصاحب المشردين أمثالنا. عمي خلونا بعيد عن السياسة. ضاع كل شيء ضاع.
عاد الولد ليكرر شكواه . و أعاد عليه الأب نفس العبارة : الله كريم ابني . الله موجود. الله ينتقم منه.
الصورة الثالثة: مراكز اجتماعية
نجحوا بفخر بتأسيس مقر للجالية في إحدى الدول الأوربية. يجتمعون فيه . يقيمون الحفلات. والندوات ، المعارض. يستضيفون الشخصيات المهمة . المشهورة. تطرأ على بال احد المتحمسين فكرة إقامة حفلة خطابية للتعريف بما يجري بالعراق، وفضح التجاوزات والمفاسد هناك. يقدم اقتراحه على رئيس المقر يتردد الأخير في الموافقة يتحجج بمناقشة الطلب مع أعضاء الهيئة الإدارية. ثم ينتهي الأمر برفضه. هناك إشكالات عديدة. هناك من يسافر إلى العراق، ويخشى تعرضه للقتل والتصفية. هناك الأقارب والأصدقاء. علاوة على ذلك فالأمور ليست واضحة مع من الحق نحن لا نعيش هناك لنعرف بالضبط ما يحصل . الإعلام يضخم الصورة. ويرتزق من وراء ذلك.
رجع الولد يتطاير الشرر من عينيه إلى أبيه. يهم بقول شيء لكنه يعدل عنه ويدير ظهره راجعا من حيث أتى. في رأسه تتكرر الصور. ويسمع نفسه يصرخ بلا انقطاع.. المؤذن في فراش أمي.
الصورة الرابعة:القَبول
منذ تعارفن على بعضهن البعض في إحدى مدارس اللغة وهن يتبادلن الزيارات بانتظام. جئن من خلفيات متعددة. ومستويات ثقافية واجتماعية متباينة. يثرثرن بمواضيع تتعلق بالمأكل والمشرب. ومشاكل الأطفال. وزياراتهن وطلبات الإدارة، و... حتى يصل الأمر للعراق. حيث تدلي كل واحدة منهن بدلوها . ثم تلتفت إحداهن قائلة: تصفى تصفى .. لن تبقى الأحوال هكذا للأبد . رغم كل المشاكل ستنقشع الغيوم . وتصفو السماء. دعونا نتناول الطعام الآن.
الولد مسرعا لأبيه: أبي أبي لقد مات المؤذن
الأب يصيح بظفر: الم اقل لك يا ولدي الله كريم سوف ينتقم منه
الولد يزم شفتيه متبرما: نعم يا أبي الله كريم . لكنه لم ينتقم منه. أنا من ألقيت بالمؤذن من فوق المأذنة. وان لم افعل لكان المؤذن إلى الآن في فراش أمي.
Shatha

(( عندما كنا مواطنين بدرجة مرعوب كنا نعيش زمن الحرب. يعرضون لنا على شاشات التلفاز صورا لقتلى .كانت الصور صامتة . لا تقل لنا ولا نقل عنها شيئا كنا نحدق بها وهي تحمل عنوان صور من المعركة .. كانت معركة طويلة واحدة تدور في جبهات بعيدة.تحرقنا بشظاياها، وتخطف خيرة رجالنا... مضى زمانها وانتهت . كبرنا صرنا بدرجة مذهول ولم يعد التلفاز يعرض علينا صورا صامتة لقتلى فحسب بل صارت تصاحبها كل الوسائل المساعدة من صراخ وعويل وتصريحات تعددت جبهاتها لكن غايتها ظلت واحدة تريد حياتنا. لتلقي بجثث أيامنا على قارعة العبث كل يوم ))
صورة ـ عازفة الناي ـ
فتية .تالة ملتصقة بأمها أكثر من المعتاد. بهية كزهرة ترتعش وريقاتها كلما تحرشت بها قطرات النهر الهاربة من القوارب التي تمخره. في حقيبتها ناي ونوتات لمعزوفات عديدة. عتق البعض منها، والأخر ما زال ينتظر الهرم في مشاوير التمرين الطويلة
۩ هذا مشهدي .. عظاتي ، انقراضي كيفما تشاء
بالسم ، بالحضور على صليب وردة
بالغياب مجداً
بجهل سنبلةٍ كيف المياه ،باحتساب رثائي خردلاً
بمشكاة غربتي ـ أعني ظلامي
صورة ـ عازفة البيانو ـ
ملابس عصرية. سنوات ذهبت محسومة لقرار حبس اليدين بين تواقيع لأوراق رسمية ، والعزف على البيانو. مضت الأيام .منحت لذبول عودها شهادات مرموقة علقت على لوحة وجهها ، لم ترتكب من اجلها حماقة الحب أو تنخرط في لعبة أنثى. وليخففوا عن حزن الوحدة يمنحوها بين الحين والأخر الألقاب التي تبرئ ساحتهم من ذنبها وتواسيها... فهي مشجعة لفريق رياضي ,متسوقة لأحدث الفساتين والأحذية ,متعلمة تعليما عاليا..و أول سوداء تشغل منصب متقدما في مؤسسة تعليمية وغيره. حتى وصلت لمنصب وزير خارجية لتقرير مصائرهم أولئك القابعين خلف المحيطات والبحار.
۩ أنامل الآثار ممحوة كالقبول
زقاق يرفرف و أعلام لا تؤدى
صورة ـ عازفة الناي ـ
تذهب لمدرستها كل يوم ما زال الوقت مبكرا بين بداية العام وموسم الربيع القادم. وما زالت براعمها تتحسس الأرض رويدا رويدا. وما زالت شمسها ترتفع في سماء بغداد ببطء وهدوء. لكنها مثل كل مثيلاتها موعودة بلعنة . ومبتلاة بحلولها.
۩ سنوات نحيفة تميل عنك
لئلا تساقط أسنانك اللبنية اقترف نفسك
.....
لكنها بعناد تجيب
۩ من يزج خيوله عليه احتمالي
يسعل البقاء ولا تنهض السنبلة
صورة ـ الخرائط ـ أمريكا ـ
ها هي لعبة الانتخابات تحملها إلى البيت الأبيض. هناك ما زالوا يخططون ويقررون سياسات الكثير من الدول ويضعون حدا لرتابة أيامها بإشغالها او إشعالها بالحروب. في الأفق تلوح بوادر حرب وعليهم الإعداد لها. وعليها حفظ الكثير لقوله في المحافل الدولية. تتقاسم مع صقور أم نسور... كيفما يحلو لهم تسمية أنفسهم طاولة النقاش. ثم يهيئون شيئا تقول عن يوم ذاك...
أفردنا خرائط ذلك البلد، فإذا بنا وجوه حائرة تتطلع لبعضها البعض ولا تعرف كيف ولا من أين ستبدأ
۩ ونحن من ساحة القتل
إلى جهة يابسة
..
العشب ينمو على جسد المسافة
وابن مجاعة، يتسكع فوق الغيم بلا جهة
متناسياً
أن الخرائط جيب واسع
وأن المجد غرفة حزينة وسيجارة تكاد تنكسر

صورة ـ المعزوفة ـ بغداد
تنال القنابل والغارات من المدينة الموجوعة بالأحزان ـ بغداد ـ ما تناله. في بعض أيامها تتسامى على الوجع، وكاللبوة تلتفت لجراحها علها تطببها ثم تنهض من جديد. تدخل عازفة الناي مدرستها . تستل نايها الجميل فيبتهج للمساتها، ويهيئ نفسه للإفصاح عن عشقه لها.
تتسلل ألحانها إلى خلف الجدار يمر الجنود المدججين بالسلاح و آلة الحرب ،فتهفو نفوسهم إلى مدنهم .عوائلهم. أحبائهم. لحظات السلام التي لم تعرفها نفوسهم مذ وطأة ارض العراق. وأمانهم الذي انتزعته منهم حماقات حملتهم الرعناء و أثارها.
يدخلون حيث لا يمنعهم احد . يفاجئون الجميع العزل. لم تزل واقفة. يتحمس الجنود للاستماع إلى أنغام جميلة لم تطرق أذانهم من قبل لتمنحهم بعض البهجة بهذا الجو القاتم الكئيب.
ـ اعزفي لنا بعض الألحان. طلب منها قائدهم
ـ اعتذر لا ولن اعزف لكم ردت عليه بأدب وتحدي.
ـ لماذا ؟ سألها مندهشا
ـ لأنكم محتلون . أنا لا اعزف لمن يحتل بلادي أي لحن . لو كنتم ضيوفي لعزفت لكم بكل أمتنان. لكنكم في بلادي اليوم محتلين. لن اعزف لكم.
القائد والجنود حيارى. اسقط من يدهم. وأخرستهم العازفة . أرعبهم الناي الصامت. وأخصى عربدتهم. فلا حفلة خاصة أو عامة للموت في حضرة اللحن الوفي للشواطئ والنخيل ودموع الثكلى.
۩ لغز اكتفائك نهر ولغزي جرعة
أجول حدٌ التصفيق وارتعد حتى جعلتني زجاجاً
يغادرون المكان يجرون أذيال الخيبة، ويتملكهم الحزن والجزع من إيجاد موطئ قدم في البيوت والقلوب التي جاءوها غزاة. مذهولون من جبروت إنسان لا يهزم على هذه الأرض.
۩ جناك اغترابك قبطانا نحاسياً
اتحتد كلما جهلت شمسي
هل تبحث عن المنتصر في معركة مثل هذه . لا تشبه ما لقنوه إياك أو ما كتبوه لك في سجلاتهم التي لم تراجعها للتأكد من صحتها. من المنتصر في معركة بين جنود مدججين بالسلاح وعازفة ناي. هل علموك بان الحروب تعادل كفتي الميزان . قوة فريقين والغلبة للأقوى. طيش رصاص ,أشلاء , دماء , حرائق ,خرائب, جرحى , أكوام من النفايات تختلط مع كل شيء , طرقات ملغومة بانكسارات المهزوم ووقاحات المنتصر. إن كانت الإجابة على أكثر من ثلثي الأسئلة السابقة بنعم فأنت موهوم. تعرف لما .. لأننا
۩ على شرفة الحرب
نعلق أعمارنا مثل حبل غسيل
ملاحظات:
۩ النصوص لمن سهوله في قفص للشاعر القدير وسام هاشم
عازفة الناي: فتاة عراقية استضافتها إحدى القنوات الفضائية فتمتعت بعزفها ، وأبهرتني شجاعتها وموقفها الوطني والإنساني الكبير رغم صغر سنها. لكنني غفلت عن اسمها ، فإذا ما كنت محظوظة، وقرأت المقال هي أم احد معارفها فليراسلني كي أدون اسمها.
عازفة البيانو : كما لم يخفى على احد منكم هي وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس.

(( عندما كنا مواطنين بدرجة مرعوب كنا نعيش زمن الحرب. يعرضون لنا على شاشات التلفاز صورا لقتلى .كانت الصور صامتة . لا تقل لنا ولا نقل عنها شيئا كنا نحدق بها وهي تحمل عنوان صور من المعركة .. كانت معركة طويلة واحدة تدور في جبهات بعيدة.تحرقنا بشظاياها، وتخطف خيرة رجالنا... مضى زمانها وانتهت . كبرنا صرنا بدرجة مذهول ولم يعد التلفاز يعرض علينا صورا صامتة لقتلى فحسب بل صارت تصاحبها كل الوسائل المساعدة من صراخ وعويل وتصريحات تعددت جبهاتها لكن غايتها ظلت واحدة تريد حياتنا. لتلقي بجثث أيامنا على قارعة العبث كل يوم ))
الصورة الأولى: الصحفية في مكان ما من العالم
بينما راحت تقلب في صفحات الأخبار اليومية كالمعتاد لفت انتباهها خبر نادر مفاده نية زوجة الرئيس العراقي السابق صدام حسين كتابة مذكراتها الشخصية. ضغطت على الرابط وانتظرت لقراءة تفاصيل الخبر
الصورة الثانية: بغداد ـ دعوة ـ
تذكرت الصحفية ذلك اليوم الذي تلقت به دعوة من دار الأزياء العراقية. بلغت بالحضور من قبل المسئول عن القسم بالجريدة وليس في الدعوة أي تفاصيل شفهية أم خطية فلم تتبين إذا ما كانت الدعوة لتكملة الحوار مع المدير العام السيدة فريال الكلدار ... لعله أمر أخر.
هل ستتحدث أخيرا ـ الكلدار ـ عما يجول بخاطرها فلقد تركت في لقائهم الأخير الكثير من العبارات مبتورة. سردت بعض المشاكل ثم عدلت بعد ذلك عن رأيها قائلة بتردد لا يسأل عن أسبابه في عراق يوم ذاك : لا لا داعي لنشر ذلك . ولم تتبعه بتحذير لان الخوف الذي لمحته بعيون الصحفية، كان كفيلا بطمأنتها من عدم ارتكابها لحماقات تحرجها.
لكن ما الذي حصل؟ . راحت الكاتبة تسأل نفسها.
الصورة الثالثة: مذكرات زوجة الريس
قرأت تفاصيل الخبر . ستستعين زوجة الريس المقيمة حاليا بقطر بصحفي فرنسي لمساعدتها على كتابة مذكراتها.
الصورة الرابعة: بغداد دار الأزياء العراقية
وصلت الصحفية يومها إلى دار الأزياء قبل الموعد المحدد . المكان كان بمنتهى الأناقة . تكاد تكون البناية من أجمل البنايات في بغداد .تقع في منطقة هادئة. تلفت انتباهك لو مررت بالشارع الطويل كأنها عروس في كامل زينتها. ومن الداخل زينت النباتات المتسلقة كل زواياها وتسلقت على الحواجز الزجاجية لتعطي مع الإضاءة الخافتة إحساسا منفردا بالارتياح والدهشة. يمكنك بحق وصفها بالأنثى إذا ما قارنتها بالمباني الأخرى بما فيها مركز صدام للفنون رغم سعي الفنانة الكبيرة ليلى العطار في إضفاء لمساتها الأنثوية عليه.
دار الأزياء كانت استثناءا مثل أزياءه لم ولن تجد له شبيها بكل عروض الأزياء سابقا ولا لاحقا. ليس تحيزا بل كانت عبقرية فريال الكلدار في التصميم تحبس الأنفاس. لا تعادلها في الإبداع والروعة امرأة أخرى سوى زها حداد في فن العمارة.

الصورة الرابعة ـ لزوجة الريس
يختتم الخبر على تأكيد نية زوجة الريس نشر مذكراتها الشخصية باللغتين العربية والفرنسية ويتوقع لها مبيعات هائلة. لاشك.
الصورة الخامسة: بغداد ـ دار الأزياء العراقية.
حيت الصحفية السكرتيرة عند دخولها المبني .بدت الثانية مشغولة. واستغربت من الأعداد الغفيرة للنسوة الحاضرات. لم تكد تسأل عن السبب حتى أتاها جواب قطعي : انتظري . سيبدأ البرنامج بعد قليل. بعد قليل امتد من الساعة الثامنة حتى العاشرة. لم يذهب وقت الصحفية سداً بل كان المكان أشبه بإحدى ساحات فينسيا في مهرجانها التنكري السنوي . نسوة من مختلف المشارب والحلل والملل. بدينات ونحيفات. يرتدين ملابس لم تعتد الصحفية على رؤيتها في الأسواق والمحلات. هن لا يشبهنها ولا يشبهن النسوة اللواتي يتبضعن في أسواق وشوارع بغداد. ثم طلب منهن الاصطفاف صفين فلبين الطلب ولم يتوقفن عن الحديث والثرثرة. من الواضح جدا إنهن صديقات . لكن لما كل هذا. و إذا ما كان هناك عرضا ما كالذي يحصل في مهرجان بابل مثلا فلما هذا التعتيم . وهذه الإجراءات المشددة.
الصورة السادسة:
في قاعة صغيرة لا تتسع لما يزيد عن الخمسين شخصا عرضت فتيات تشكيلة من الأزياء الحديثة. صاحبها صوت مقدمة يشرح برنامج دار الأزياء، في حملة أطلق عليها أسم ( كسر الحصار ) أم شيء من هذا القبيل. والغرض مساهمة دار الأزياء في إعانة الأسر العراقية التي تعاني العوز والفقر في ارتداء ملابس بأسعار معقولة، وفي نفس الوقت بتصاميم حديثة وجذابة.!!!. دار الأزياء تقود الحملة أمر مذهل. كي ترتدي البسيطات من العراقيات أزياءً تجمع بين الكلفة القليلة والتصميم المتميز. خطوة بغاية الروعة. وتفكير ينم عن إحساس بهموم المجتمع لرفع مستواه وتحدي الحصار المفروض عليه وهو مهم جدا. تنبع أهميته بارتداء المرأة لأزياء بديعة تحسدها عليه الكثير من نساء العالم رغم الحصار.
الصورة السابعة:
جلست بالصف الأمامي سيدة العراق الأولى يومذاك ـ زوجة الريس ـ والى جانبها المدير العام المصمم لكل هذه الأزياء فريال الكلدار .ولفيف من النسوة. ؛(حلوة لفيف أليس كذلك من وحي أجواء أجمل الأماكن في بغداد ).
جلست الصحفية مع باقي الصحفيات في الصف الأخير. فقالت إحداهن: لو تمكنا من اخذ تصريح صحفي لها تعني طبعا زوجة الريس. ردت الصحفية: اذهبي إليها قولي لها ذلك ؟ . فردت مفزوعة : لا عيني أخاف. لا تعرف الصحفية من أين أتت بالشجاعة فقامت من مكانها ووقفت خلف كرسي زوجة الريس انحنت إليها وهمست : سيدتي . هل يمكنك الإدلاء بحديث صحفي للجريدة. دون أن تلتفت إليها زوجة الريس ردت وهي تشير بأصبعها: لا لا أدلي بأي حديث للصحافة. رجعت الصحفية أدراجها وهي تهز رأسها للأخريات بان المحاولة باءت بالفشل.
الصورة الثامنة: أروقة وقاعات دار الأزياء العراقية
بعد انتهاء العرض صحب زوجة الريس في جولتها للاطلاع على منتوجات دار الأزياء من الألبسة التي من المفترض تخصيصها للعراقية في الحملة التي تحمل شعار مساعدة الأسر العراقية و كسر الحصار .. أو أي كلام يشبه ذلك . صحبها النسوة اللواتي دار الحديث على أنهن زوجات الوزراء و أعضاء القيادات ورجال الدولة.
حرصت الصحفية على الاقتراب بما تسمح له المسافة من زوجة الريس علها تخرج بشاردة أو واردة تنفعها في كتابة تقرير يستحق القراءة.
وفي إحدى المحاورات مع المصممة تمكنت من سماع الحوار التالي بين زوجة الريس وبينها
زوجة الريس: كم سعر هذه القطعة؟
المصممة: جعلناها بخمسين دينار ، لتتمكن المرأة البسيطة من شرائها
زوجة الريس معترضة: ماذا خمسون دينار . هذا أقل من سعر شكولاته. قليل جدا . اجعلوها أكثر . ماذا يعني خمسون؟.
المصممة:.... لا كلمة كما توقعت عزيزي القارئ سيدة كنت أم سيد.
الصور التاسعة:
ما أن غادرت زوجة الريس المبني حتى أعلن عن البيع المباشر للمعروضات .
من جديد تثبت المصممة امتيازها. فلقد صممت ملابس عصرية وليس تراثية كالتي تقدمها كل عام بمنتهى الروعة . خيالها وذوقها لا نظير له. انقضت النسوة ـ زوجات المسئولين الكبار ـ لحجز وشراء كل ما تم عرضه. وكلفت كل واحدة منهن خادمتها بحمل ما يمكنها حمله.
بعد اقل من ساعة كان المكان أشبه بحقل غزته أسراب الجراد . الدمى عارية والرفوف شبه خالية.
انتهت الحملة لصالح المرأة المحرومة على أفضل وجه، واستثمرت من قبل عراقيات خير استثمار وأتت أوكلها.
الصورة العاشرة: الصحفية في مكان ما من العالم
تحدق في صورة زوجة الريس المنشورة وفستانها الأنيق جدا. مؤكد هو من تصميم دار الأزياء. تدفقت كل تلك الصور أمامها وفكرت... بماذا ستتحفنا زوجة الريس. لا نريد سماع قصصا عن غرامياته وان كانت من أحب المواضيع لتخدير الناس أو لتسليتهم. لا نرغب كثيرا في معرفة كيف كان يأكل ويشرب وينام ويجلس الريس نحن نعرف أكثر منها. فلو كان عمر احدنا أربعين سنة فاخصم منها النصف استحصلها سيادته ضريبة إجبارية دفعها الواحد منا، وهو يتطلع إلى ابتسامة سيادته وبدلات سيادته. وأحاديث سيادته. وعربات سيادته الرئاسية في أعياد ميلاده الميمون. وفي زيارات سيادته التفقدية اليومية لبيوتنا ونعرف والكلام لزوجة الريس كي تحرص على اختيار الأفضل لجعل المذكرات مشوقة. نعرف كيف كان يتمدد سيادته وكيف كان يشعل السيكار وما زلنا نحفظ عن ظهر قلب أغان تمجد سيادته وما زلنا نرددها كلما أردنا.. ربما نكاية بما ضاع ويضيع منا...
بيت بيت زار الشعب بيت بيت بيت
لا بين بوجه التعب بيت بيت بيت
لذا عليك سيدتي زوجة الريس البحث بعناية عما تريدين إخبارنا به . فالكثير تولاه نيابة عنك الوشاة والخدم الذين كانوا يملئون قصوركم، وحصة الأسد في أسرار الريس رواها لنا بنفسه بطريقته الخاصة.
وعذرا سيدتي ألف عذر .. لا تغامري بذكر بطولات لك ومواقف وطنية لان دار الأزياء تؤكد بأنك لم تعرفينها يوما ما . أنت الثرية التي ولدت وفي فمها ملعقة من ذهب. فلم تكن لك نشاطات واهتمامات بالشعب ومعاناته، ولم تدخل السياسة في دائرة اهتماماتك يوما ما، ذلك أفضل و إلا كانوا وضعوا صورتك مع صور الآخرين في قائمة المطلوبين . ربما يتوجب عليك شكر الريس في مذكراتك لصنيعه معك و إبعادك عن دائرة حكمه. وما زلنا ننتظر بلهفة وشوق ما الجديد الذي ستخبريننا عنه ، وتراهنين بأننا لم نعرفه.
ثم وهو الأهم ما الذي ستأتي به مذكراتك المزمع نشرها من نتائج ايجابية تساهم في فك الحصار عن العراقيين والعراقيات خاصة. الحصار المتعدد الأوجه والأشكال الذي يعانون منه قبل وبعد سقوط بغداد. هل اعدد لك بعضا منه... حصار كرامة مهدورة. حصار تشرد وتهجير . حصار نزع السيادة. حصار الاحتلال . حصار التمزق. حصار القتل والاغتيال. حصار البطالة. حصار نقص الخدمات.حصار اليتم . حصار الترمل. حصار الجوع . حصار المستقبل المجهول. والذي كان لسيادته ـ بطل المذكرات ـ نصيب فيه بسبب سياسته وخططه الحربية الفاشلة. وهل ستكفي عائدات البيع لكسر طوق الحصار عن العراقيات أم ستبقى فوائده للساكنات بالمنطقة الخضراء من نساء المسئولين الجدد، وهن يمرحن اليوم بقصوركم الفاخرة.
يؤسفنا بأننا سوف لن نتلقى الرد عن كل هذه الأسئلة.

صور من المعركة
بين ضفتي جدة...
(( عندما كنا مواطنين بدرجة مرعوب كنا نعيش زمن الحرب. يعرضون لنا على شاشات التلفاز صورا لقتلى .كانت الصور صامتة . لا تقل لنا ولا نقل عنها شيئا كنا نحدق بها وهي تحمل عنوان صور من المعركة .. كانت معركة طويلة واحدة تدور في جبهات بعيدة.تحرقنا بشظاياها، وتخطف خيرة رجالنا... مضى زمانها وانتهت . كبرنا صرنا بدرجة مذهول ولم يعد التلفاز يعرض علينا صورا صامتة لقتلى فحسب بل صارت تصاحبها كل الوسائل المساعدة من صراخ وعويل وتصريحات تعددت جبهاتها لكن غايتها ظلت واحدة تريد حياتنا. لتلقي بجثث أيامنا على قارعة العبث كل يوم ))
وتكتمل فيك يا سيدة النهرين دورة الحياة . كما دورة القمر. فلنصفك الأول.. الما.. آه ،ولنصفك الثاني ...جدة.. وجع يفلق الحجر .
أيتها الماجدة التي منحت للحزن والصبر والجلد أمجادا تكفيها ابد الدهر. مر بك الكثير ويمر. ثم تشد لمأساتك الرحال وتخط المجلدات قصصك بلا كلل ولا ملل.
ـ مثل هذه ـ
اصطحب فريق عمله، وسافر إلى بلد عربي يخطب فيه مثل كل البلاد العربية الأخرى السياسي والمفكر ورجل الدين من الصباح حتى غروب الشمس عن الشرف العربي والنخوة. وصون المرأة .قيمتها .كنوزها وجواهرها.... وبعد انقضاء الدوام الرسمي للشمس يغلقون أبواب مروءتهم، ويتقاسمون جوع وعوز بعضهن بشهية وحماسة لا تضاهيها ألا خطبهم
الصورة الأولى
يسيران في احد الأزقة خيم السكون والظلام على الطريق. وتعمدت الكاميرا تعتيم المكان كي لا تبدو ملامح المتحدثة كان الموضوع الذي تعده القناة الأجنبية يتناول نتائج الحرب على المجتمع العراقي وانزلاق بعض بناته للعمل كفتيات ليل. سردت القليل من كثير أرادت الاحتفاظ به. واختفت من صوتها أي دلالة.كأنه استنفذ كل مشاوير الرجاء والتأمل والاستعطاف وحتى سخرية النخوة التي لم يصادفها في طريقه كان طريقه ملغوم فانتهى لحمل أنقاضه على أوتار تهرأت من الصمت ألقسري
°كانت لنا فيها ، إذا غنى المغنّي ، ذكريات
غرقت جزيرتنا وما عاد الغناء
إلا بكاءْ
...
أكذا نموت بهذه الأرض الخراب ؟
ويجفّ قنديلُ الطفولةِ في التراب ؟
أهكذا شمس النهار
تخبو وليس بموقد الفقراءِ نارْ ؟
الصورة الثانية
أحداهن في مكان ما من العالم ، تقلب في الخضرة وتنفض عن قميصها ما علق به. تواصل الحديث مع صاحبتها و بغتة كمن لمعت في ذهنه فكرة ما قالت لها ..أتعرفين يقولون بان هناك عر... يصنعن العجب في .... تطلعت لها الأخرى بدهشة حقيقية وتساءلت في نفسها... هل يعقل أن تبلغ بالناس الضعة هذا الحد. ويصب المرء جام غضبه على المذبوح لسوء استخدامه سكين قاتله؟. ماذا لو لم تكن هي هناك في بلد يحفظ لها كرامتها .ماذا لو كانت بلا زوج ولا ولد ولا سقف ولا مأوى؟.
ماذا لو لفظتها المدن وعزت عليها الخيارات ، وتقاذفتها المحن؟ . لما تكابر بعض النساء ولا تقوى سواعدهن ألا على جلد نساء مثلهن.
°أهكذا تمضي السنون ؟
ونحنُ مِنْ مَنْفَى إلى مَنْفَى ومن بابٍ لبابْ
نَذْوِي كَمَا تَذْوِي الزَّنَابِقُ في التُّرَابْ
فُقَرَاء ، يا قَمَرِي ، نَمُوت
وقطارُنا أبداً يَفُوت
الصورة الثالثة
يسألها مراسل القناة الأجنبية. هل أنت متعلمة . أين وصلتي بتحصيلك العلمي . وهل جربت العمل بشهادتك؟. ترد عليه بلوعة: أنا خريجة كلية الإدارة والاقتصاد، وعملت في العراق سنوات حاولت جاهدة إيجاد عمل لي هنا لكن بلا فائدة . لا مكان قبل بي. و أوصدت كل الأبواب بوجهي كما أوصدت أبواب بلدي من قبل.
° مُدُنٌ بلا فجرٍ يُغطّيها الجليد
هجرتْ كنائسَهَا عصافيرُ الربيعْ
فَلِمَنْ تُغَنِّي ؟ والمقاهي أوصدتْ أبوابَهَا
وَلِمَنْ تُصَلِّي ؟ أيها القلبُ الصَّدِيع
والليلُ ماتْ
الصورة الرابعة
وفود من المنظمات الإنسانية. وكبار نجوم السينما والفن تزور اللاجئين العراقيين ، وتطلع على أوضاعهم. تستمع لكلمات السخط من بعض العائدين من تلك اللقاءات لعدم تمكنهم من التكلم مع احدهم ، وبريق أمل وفرحة لا تصدق في عيون البعض الأخر. تمر الشهور والسنوات ولا الجزع ولا الفرح يحصدون الذي حصدته كاميرات الإعلام من تلك الزيارات شيئا. يبقون معذبين، وتنظم ببؤسهم ومعاناتهم جداول لزيارات قادمة لنجوم سوف يضيفون لسجلهم المهني صورا من تلك الزيارات وهذه في أماكن متفرقة من العالم ومنها زياراتهم للاجئين العراق المحرومين والفقراء . والذين لا يجدون ثمن رغيف خبز أو بساط يتمددون عليه فوق بحار النفط التي يستخرجها نيابة عنهم الأوغاد وينهبوها.
¤ للحزن نافذةٌ، في القلب، سيدتي
وللمساءات.. أشعارٌ ومصباحُ
معتّقٌ خمر أحزاني.... أيشربهُ
قلبي، وفي كل جرح منه أقداحُ
تسافر الريحُ ، ويلي، في ضفائرها
ومن يطارد ريحاً كيف يرتاحُ
الصورة الخامسة
يسألها مسترسلا: هل فكرتي باللجوء وطرقتي أبوابه. الظلام لا يبين لك ولنا انفعالاتها ولا ردود الفعل من تلقيها لهذا السؤال. لكنها قالت ما لا يملك الليل على إخفاءه قالت برأسها عدة مرات لا أمل لا فائدة . تابع : هل لك أسرة ؟. أجابت: أمي وأختي الصغرى. بفضول مهني لمنح التحقيق مزيد من الإثارة: هل ستسمحين لأختك لتسلك نفس الطريق ؟. حيث لا يخطر على البال تصيح : لن اقبل . سأقتلها قبل إذا أرادت ذلك
*.. نساء يعدن الينا هبات الطبيعة ـ تاريخنا كان تاريخها ـ كان للوقت وقت لنولد فيها ونرجع منها اليها
الصورة السادسة
بعضهم يتسامر ويقترح البلد القادم للاستجمام، في أوربا الحياة ليست مريحة وممتعة فحسب بل ومثيرة. هناك تسهيلات دائمة للرحلات لسياحية. بلا مشاكل خروج ودخول. اقترح احدهم : دعونا نذهب لأحد البلاد العربية. رد الثاني: أي والله يا جماعة منذ زمن لم نذهب . هتف الثالث مبتهجا: يقال انه في ... هناك النساء رائعات الم تروا الأشرطة التي يسيل لها اللعاب على اليوتيوب . على الأقل تحكي لغتك وتفهمها وتفهمك .. يا أخي مليت من النساء اللواتي لا يعرفن حرفا واحد مما أقوله لهن في لحظات الحب وانفجر الباقون بالضحك.. سيشد العزم المهاجر عائدا لها لكن فقط لكي يحدثها ويغازل قهرها بالفراش ويا سعدها بلغتها
* ونحن نودع نيراننا، لا نرد التحية ... لا تكتبوا
علينا وصايا الإله الجديد، إله الحديد، ولا تطلبوا
معاهدة للسلام مع الميتين، فلم يبق منهم أحد
يبشركم بالسلام مع النفس والآخرين
الصورة السابعة
يحاول بعد تلك الجولة الملغومة بالشوك والشجون البحث عن سؤال يطيب به عن خاطر محدثته ويخفف من ثقل حضوره ، والألم الذي سببه لها...هل تتواصلين مع الأصدقاء . هل هنا بعض من أصدقائك القدامى . أم استبدلتهم بجدد. هل تلتقون وما هي الأحاديث التي تدور بينكم؟. كأنه سمع زفرة ... كان لي أصدقاء و أصحاب في الجامعة ثم العمل وكانت بيننا علاقات طيبة. هنا تبخر كل ذلك . انقلبت حياتي وصار الليل نهاري. ولم يعد لي ما أقصه أو اسمعه من احد. أتحاشى جاراتي كي لا يتمادين بالسؤال عن عملي ويفتضح أمري. ضاع الصحاب كما ضاع الوطن.
¤ وكيف أرى الصحبَ
مَنْ غُيّبوا في الزنازين
أو كرّشوا في الموازين
أو سُلّموا للترابْ
انها محنةٌ - بعد عشرين -
أنْ تبصرَ الجسرَ غيرَ الذي قد عبرتَ
السماواتِ غيرَ السماواتِ
والناسَ مسكونةً بالغيابْ
وتبقى رحلتها واحدة من الرحلات غير المسلية ،لا تشبه نصوص الأغاني الخفيفة و إيقاعها السريع، رحلة سيدة تصنع من انكسارها درعا تحمي به أخرى كي تبرر لنفسها أحقيتها بالحياة ، ولتوفر لأختها الأمان بعدما ضنت الدنيا عليها به. ماذا عن الذين أضاعوها، واستمتعوا بحرق عودها بعدما منعوا عليها المساندة والمساعدة. هل لحياتهم ما يبررها أم هم هنا فقط ليستمتعوا بالحرائق التي يشعلونها في كل مكان.
ملاحظة: النصوص حسب ورودهم بالنص لكل من الشعراء
° الشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي
¤ الشاعر الكبير عدنان الصائغ
* الشاعر الكبير محمود درويش

صور من المعركة
بين ضفتي الما...
(( عندما كنا مواطنين بدرجة مرعوب كنا نعيش زمن الحرب. يعرضون لنا على شاشات التلفاز صورا لقتلى .كانت الصور صامتة . لا تقل لنا ولا نقل عنها شيئا كنا نحدق بها وهي تحمل عنوان صور من المعركة .. كانت معركة طويلة واحدة تدور في جبهات بعيدة.تحرقنا بشظاياها، وتخطف خيرة رجالنا... مضى زمانها وانتهت . كبرنا صرنا بدرجة مذهول ولم يعد التلفاز يعرض علينا صورا صامتة لقتلى فحسب بل صارت تصاحبها كل الوسائل المساعدة من صراخ وعويل وتصريحات تعددت جبهاتها لكن غايتها ظلت واحدة تريد حياتنا. لتلقي بجثث أيامنا على قارعة العبث كل يوم ))
وفي المجتمعات الجاهلية بقيت المرأة تشكل وسيلة محاربة الرجل لنظيره عندما يغير عليه ويسبيها. فدفن الظالم منهم ابنته كي لا يلحق به عار سبيها.
مضت ألاف السنين على ذلك، بقيت الحروب وويلاتها. وظلت المرأة تدفع ثمن العدائية والإجرام في كل حرب. وظل منطق البدو الغزاة يتحكم في عقول بعض الرجال حتى وهم يقودون أفخم السيارات ويقتنون احدث الأجهزة ويتنقلون بين بلاد العالم حاملين بداوتهم وارثهم الجاهلي.
الصورة الاولى: الفرهود
تهاوت سريعا أسوار المدن أكثرها دمارا كانت أسوار بغداد. هجمت عليها أسراب من الجراد العدائي . التهم بعضه كل خزائن مكتباتها.فانتشى هولاكو لصنائع أصحاب همجيته. أحرقت المكاتب والمؤسسات. وكسرت الأبواب. ورأت الثعالب الفرصة مؤتية للإغارة على كرومها. نشطت عصابات خطف النساء واغتصابهن، وفاحت من خلف جدران معتمة روائح عفنة لفضائع ارتكبت بفتيات كن يغفون على أسرة من القحط ربما لكن حدائق أحلامهن كانت مثقلة بثمار أمل لا يترجل فيها فارس أحلامهن ، ولا تفارق البسمة وجهه.
الشاعر منشدا
« حشرات المساء اللزجة تطن في سقوف شجرة نومك، وتشعرين بالاشمئزاز من حاضرك عند النافذة المتصدعة لأحلامك الفقيرة.
هل تنتظرين تلويحه ما، أو نسمة شاطئ غريب من عشاقكِ القدامى؟
ربيع سنوات شبابك المتأرجحة ما بين قرنفل الينابيع ونار
الحجارة الكريمة، أطفأت مصابيحها قوارب محملة بعطايا قراصنة
عجائز. »
الصورة الثانية البحث
قويت شوكة العصابات الغازية التي اصطلح على تسميتها مليشيات الموت .. وراحت تطرد بهمجية ووحشية سكان المدن المسالمة. خرج الطبيب والمهندس والصيدلي والأستاذ الجامعي متعلقا بأهداب الرجاء باحثا عن فرصة حياة له ولأسرته هربا من موت محقق. بينه وبين تحديقه القتلة في القائمة بحثا عن اسمه سهوه حظ قد ينالها وقد تغفله. في مخيمات أنشئت خلف الحدود على الأرض السورية التي استقبلت اكبر عدد من اللاجئين نصبت الخيام، وفي كل منها حكاية من حكايات النكبة التي حلت بالعراق بعد الغزو الانكلوامريكي، وما لحق به من اجتياح إيراني لتصفية ثارات حرب الثمان سنوات العجاف على أيدي مليشيات الموت بتسمياتها المختلفة.
رغم بؤس الحال وشظف العيش والهوان إلا أن زمر الخسة لم تترك ساكني الخيام بحالهم مازالت ظباء العراق تعيش فيها، وما زلن قادرات على ملئ جيوبهم بالدولارات المتساقطة المبذولة من بدو الصحراء التواقين لالتهام لحومها الطرية سواء بالقهر نية أم معروضة على مسارح المجون في الملاهي الليلية التي غصت بهن بكل الطرق والأساليب.
هرب الأب العالم . الأستاذ . الضابط ذو الرتبة الرفيعة بظبائه بعدما خانته البندقية وانتصرت عليه تكنولوجيا الخيانة الحديثة فلم يستمع له جنوده وضاعت المعركة. لكنها لم تنتهي،وان توهم .
هناك من يتعطش لسلبه بقايا أمله وكسر همته في النهوض من كبوته والعمل على حماية نسائه. تم إلهائه عن خيمته بعض الوقت تكفي للسطو على ما بقي له.
في بيوت صدئة الأبواب راحت الضباع تريق على أجسادهن زبدها المسموم . فتتقرح وتأن الظباء من قيح الجروح التي غرزت فيها الوحوش أسنانها. تغتصب الإناث المنهوبات ويمعن في إذلالهم حد اليأس كي يبعوهن القوادون للمتنزه المتخم بالدناءة والدنانير.
لما عاد لخيمته لم يجد العالم ولا القائد احد تتوالى خسائره والحيلة غبار شمس لا يمكن الإمساك به.
تتوالى على الفتاة الأجساد العطنة. لكنها تلمح في لجة الظلام التماع يقترب تظنه لوهلة أفعى يفرحها التفكير بإنهاء هذا الاحتفال الجنائزي بسمها لكن الالتماعة تزداد فتتعجب كيف تحملها قدميها لتلحق بها فتعدو .. تهرب من الظلمة التي يزيدها حلكة صرير الأبواب وهي تفتح وتغلق لمغتصبيها. تعدو حتى الخيام. حيث الأب يدور على نفسه بصوفية صامتة. ترتمي بين أحضانه تقص عليه ما مر بها وبين كل مقطع وأخر من روايتها تلتصق به أكثر مخافة أن تنتزعها منه أنياب الوحوش التي هربت منها للتو.
الشاعر مزمجرا...
« غاب عن الطبيعة القديس والشيطان
غابت الصلاة وأسرار الخزائن
وغابت الشمس ونذر الفصول
غابت وتهدمت جنائن وحانات بغداد
وعصف فوق أنقاضهما الصياح »
تحدثه نفسه ـ الأب ـ بان لا هم تالي له سوى البحث عن السارق القواد وقتله. لكن كم منهم ستجهز عليه يداه . وكم من النساء سوف يعيد إليهن ما ضاع على أيدي أمثاله. وهل سيأمن على ابنته في خيمة يمزق حرمتها نصل أي خنجر لسارق ليل.
الشاعر يذكره بحكمة
«هل هناك جدوى في البحث عن ما لا يفصح عن ذاته
بين الحلم والذكرى؟»
الصورة الثالثة سلال الفاكهة
فتيات دحرج الموت والدمار أقفاصهن ففتحت أبوابه.. لم تكن إلا كلمات ناعمة ووعود براقة كافية لسوقهن أو حشرهن بعلب ليل لا تفتح على نهار .
ومن أكمام طويلة وأقمشة خشنة إلى فساتين عارية براقة . ومساحيق تدهش مستخدمتها قبل زبونها. فتسكرها الكلمات وتنتشي لخشبات مسرح تبيع عليه كل يوم أمسها المهمل ويومها الصاخب وليس لديها متسع من الوقت للمفاصلة عن مستقبل بلا هوية.
الشاعر محذرا متوعدا
« في يدك الآن سكين فضة حادة، لكن الفاكهة متعفنة وشراع العمر يغطس في الظلال المعتمة للكهولة.
لا الترقبات الشفيفة للأمل ولا النسيان يفتحان لك الأبواب الخضر للحديقة المفتوحة صوب الأبدية. »
بعضهن مر عليهن العمر الافتراضي لفرحة الهروب من أقفاصهن القديمة ، وتبخرت لحظات الوهم بإيجاد السعادة. أعياهن ثمنها الباهظ والذي لم يكن في أحسن الظروف مخيرات بدفعه. لا نهاية لمتاهة أبدية يرقصن فيها حافيات الأقدام
الشاعر مواسيا
«لماذا تنزفين حجارة دموعك على أسوار القصور، وتخفين نيران قصيدتك ما بين خزانات المال والركض وراء ما لا فائدة ترجى منه؟
تغريدات طيور اوبرالية صعدت معي الحافات الحادة للصلاة، وأنا أتضرع إلى الصيف من أجل أن يمنحك أشارة أو إيماءة تدلك على الينبوع المتدفق للحياة. »
الصورة الرابعة الثروة
عمل مع كثيرين قبل أن ينتهي به المطاف مستخدما عند أبيها. كان الأب رجلا دمثا عامله بطيبة. ولم يغبن يوما ما حق احد من مستخدميه. تطلعت عيناه إلى ابنة صاحب العمل. لم يكن الفارق الطبقي وحده الحاجز كانت شابة تدرس الطب ولم يكن أكثر من أجير غادر مقاعد الدراسة مبكرا غير راغب في متابعة المشوار. انتقل بين مهن عديدة حتى انتهى به المقام للعمل أجير عندهم.
لما عمت الفوضى كل مناطق الاحتلال أحس برغبة جامحة بها . انطلق يعدو إلى بيتهم يتعثر بعربات محملة بكل شيء استطاعت الأيدي سرقته من الدوائر والمكاتب وبيوت الأثرياء.
لكنه يريد سرقة جوهرة أثمن . طرق الباب دخل ليبادره الأب سائلا: خير ابني ..لكن الخير طير هاجر العراق لما وهن الجسر الذي أذلته أول دبابات الاحتلال. افرغ الرصاص برأسه والحق به الزوجة فانقطع صراخها والتفت لدموع ابنته يمسح بها جلده الخشن السميك عله يعطيه بعض الطراوة. وسال دمها بين فخذيها ليختلط بدم أبيها الذي ظلت عيناه مفتوحان جزعاً دون أن تريا شيء.
الشاعر منشدا
« كل شيء يتهدم ويتكلل بالفناء
كل شيء ينحت أشرعته في الرماد
لا فردوس ينجيني من عصمة الجرح
ولا ميراث يقوض قوانين موتي التي تقرضها الدودة اللزجة
صرخة جافة تزيح ضماناتي في العيش
وترفع عني في سقوط النيزك كل حصانة
آلامي طيور تمضي عبر ليل العصور »
تشفى الشامتون بالعراق عندما كبا ، واستبيحت أرضه وسماءه. تناهى إلى الأسماع في المجالس العامة والخاصة وشايات وشائعات. أقساها كما هو متوقع من نصيب المرأة. لكن.. ليت للكن ألف لسان لتجيب
لكنها نصف الدورة لها لل الما.. والنصف الأخر بعلقمه إذا لم يزد
ملاحظة : النصوص الشعرية للشاعر العراقي الكبير نصيف الناصري من ديوانه الأخير “بين خرائب محنتنا”. 2011
صور من المعركة
الخط الساخن
(( عندما كنا مواطنين بدرجة مرعوب كنا نعيش زمن الحرب. يعرضون لنا على شاشات التلفاز صورا لقتلى .كانت الصور صامتة . لا تقل لنا ولا نقل عنها شيئا كنا نحدق بها وهي تحمل عنوان صور من المعركة .. كانت معركة طويلة واحدة تدور في جبهات بعيدة.تحرقنا بشظاياها، وتخطف خيرة رجالنا... مضى زمانها وانتهت . كبرنا صرنا بدرجة مذهول ولم يعد التلفاز يعرض علينا صورا صامتة لقتلى فحسب بل صارت تصاحبها كل الوسائل المساعدة من صراخ وعويل وتصريحات تعددت جبهاتها لكن غايتها ظلت واحدة تريد حياتنا. لتلقي بجثث أيامنا على قارعة العبث كل يوم ))
حطت حمم الموت على العاصمة الجائعة .. بدأت جراح المدن تنزف. قتل الكثير من الرجال في ساحات الدفاع عن شرف وطن مهما كان الذي يحكمه . لكن صدورهم لم تكن كافية كي ترد الطوفان الذي ساهم أتباع المحتل في إغراق البلاد به. في بيوتهن بقين الكثيرات يغلف حياتهن الغد المجهول الملامح.
في مدينة أوربية
رغم ابتعادها عن الوطن مجبرة بسبب خياراتها الفكرية لكن قلبها خبر محنته وعرف علته. لا تضيع وقتها بتقليب صفحات الموضة ، ولا التجول في عيادات التجميل لحشو الشفاه والصدر والأرداف بما يؤهلها لحمل لقب مثيرة.
همها من نوع أخر.. تراها متوثبة . مشحونة. مدمنة على خطوطها الساخنة تبحث مع صويحباتها المهمومات بالشأن النسوي عن حلول لمشاكل المرأة في كل البلاد العربية ومنها العراق.
العراق... في أي مكان تحت الاحتلال
أخرجوها عند مغيب الشمس ، تطلعت بها العيون واقتيدت حيث أريد لها صيد سهل ، مجاني ، بعدما أحالها دمار البلد إلى ملكية مشاعة بحجة الأمن والحفاظ عليه، ومتابعة المارقين عن القانون وملاحقتهم. عاشت عذابات الاغتصاب والامتهان الجسدي بحجة انتزاع الاعترافات عن أماكن اختفاء رجالها!. قصصا من السجون مكدسة على رفوف الزمن خطت بمداد أسود لضمائر استمرئت الجريمة وأمنت عقابها.
من دولة أوربية
تكتب رسائلها التفصيلية للمنظمات الإنسانية ، تفتح بلا هوادة خطوط الاتصالات معها و مع كل جهة يمكنها التحرك للمساعدة وفضح ما يجري في قنوات الأعلام المختلفة ،اضافة لمنظمات المجتمع المدني والدوائر الحكومية لكي تعي بان ما يحصل ليس بخافي عن العيون. عل بعضها يستجيب ، ولتوثق بالتالي مجمل تلك الحقائق، فالتاريخ لا يهمل ولا يسقطها من حساباته مهما طال الزمن وظن مرتكبوها بان ذاكرته عتقت.
في مكان ما من العراق المحتل
تتضاءل بعينها الرغبة بالحياة ، تتطلع في الوجوه بلا اكتراث طالت مدة سجنها. وخلف القضبان عاشت كما عشن عشرات العراقيات أوقاتا عصيبة ...تعرضن لما يندي له جبين الزمن عند ذكره. كانت تصفيات حساب في بعضها مع مرتكبي مثل هذه الأعمال في سجون النظام السابق، ونهم وحوش كاسرة وعصابات ملكت السلطة بزمن رديء لبعضها الأخر. أم أمراض وأحقاد دفينة لبعض لم يجد بدأ من إطلاق العنان لها لتعيث فسادا.
أضربت عن الطعام . ذبل عودها. شحب لونها وكثرت إغماءاتها. لم تعد تنطق بكلمة رغم ما تعانيه من الضرب والتعذيب، فقرروا إخلاء سبيلها بعدما تأكدوا من قرب اجلها.
خطت إلى داخل البيت بخطوات مترددة ، في غرفة الجلوس رأت أمها وقد شاخت . استقبلتها بعيني منكسرة. ساعات صمت وقف عدها عندما أضرمت بنفسها النار بصوت مكتوم ردت على عذابات الحريق المستعر بكل جسدها، وقبل أن تودع العالم لمحت أمها العجوز وهي تزحف نحوها بعدما شلتها نكباتها تنوح بلوعة توجع القلب.
في مدينة أوربية
علينا إيجاد طرق تستجيب بها الحكومات المحلية والمركزية لطلباتنا ، يجب حماية النساء من العنف ، وإبعادهن عن ويلات الحرب ونتائجها الكارثية..راحت تخاطب نظيرتها عبر الخطوط الساخنة التي ابتكرتها مع غيرها من النسوة لملاحقة ما يحصل من دمار في العراق. والمساهمة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه. والحد من الكوارث التي تصيب المرأة وتهدد حياتها وآسرتها. تقلب أوراق الإحصائيات التي أعلنتها بعض مؤسسات المجتمع المدني ، تؤكد ازدياد النساء اللواتي تعرضن للضرب والسجن والاغتصاب والاعتداءات الجسدية والقتل. وراحت تحث محدثتها بالقول: علينا تفعيل وسائل جديدة لمواجهة مثل هذه الانتهاكات.
العراق في أحدى مدنه
فقد وظيفته. لم يستوفي الشروط اللازمة للحصول على وظيفة في عراق اليوم. التقارير المدسوسة والوشاية المنقولة عنه تؤكد: بأنه رجل الحكم السابق (البائد) . لم يعد باستطاعته تغطية نفقات الأسرة . صار لزاما عليه البحث عن عمل لكن البطالة مستفحلة. والفساد ينخر في أركان الدولة التي بليت بحكومات لا تشبع من السرقة والنهب وهدر الثروات. لم يجد غيرها متنفسا . صار يضربها ويمتهنها بوحشية هربا من عجزه والضغوط التي تكبله.
بين جوع صغارها وقسوته وتعذيبه تضرم بنفسها النار ... تتعالى صرخات الصغار بينما انزوت في أقصى الزاوية مخافة أن تلوحهم بعض السنة اللهب التي راحت تلتهمها بشهية.
من احد مدن أوربا
تحزم حقيبتها ، تأخذ معها ذخيرة حية من قوة الأعصاب والجرأة لاحتمال مواجهة كل شيء بما فيه الموت... تقرر السفر إلى العراق . تستمع إلى النسوة ، تسجل معاناتهن من أفواههن. علها تستطيع بهذه التقارير إيقاظ الضمير الإنساني ،وردع ذلك الذي يغفو في أروقة المنطقة الخضراء أو أي تسميات أخرى في البلاد والعالم.
العراق في العاصمة
شملتها لعنة التهجير مع عائلتها. وصلتهم ورقة التهديد التي يستمتع المجرمون بدسها تحت أبواب البيوت ليجبروا السكان على مغادرة مناطقهم السكنية. في العام يقولون أنها متبادلة بين السنة والشيعة أي يقوم هؤلاء بطرد هؤلاء من مناطقهم . لكن الحقيقة تقول أنها اكبر عملية تطهير عرقي في العراق خلفت في أثرها ما يقارب المليوني مهجر داخل العراق وستة ملايين يهيمون على وجوههم أم ينزون في بقاع العالم بحثا عن غد يأتي ببصيص أمل يعيدهم لوطنهم.
حددوا برسالتهم المهلة الممنوحة للرحيل خرجت العائلة مفزوعة لا قانون يحميها ولا سلطة تردع الجناة. تركت مدرستها كما فعل أخوتها الصغار. شهور ظلت تعاني الويلات كي تلحق بأحد المدارس لإكمال دراستها دون جدوى. أوراقها غير كاملة . أبوها الذي حاول استحصال وثيقة من مدرستها السابقة تلقى تهديدا بالقتل إذا ما اقترب من المنطقة . أغلقت بوجهها كل الأبواب توسلت المديرية التي حلت بها بمفاتحة مديريتها السابقة. فجاء الجواب سلبا. حاولت مع المدرسة فتعذرت بكثرة مشاغلها وهي من مسؤولية الطلبة بنقل وثائقهم لا شان للمدرسة لتقوم بمثل هذه الخدمة.
مرت الأسابيع وهاهي الامتحانات الثانوية في صباح الأول جمعت كتبها وصعدت إلى سطح الدار .أضرمت بنفسها النار وهي تحتضن كتبها التي منعت من إدلاء شهادتها بمدى حبها وتفوقها في معرفة محتوياتها.ومن تحقيق حلمها بالجلوس على مقاعد الجامعة.
العراق
تدور بلا كلل تجمع الاستبيانات . تسأل . تملأ الصفحات . تجمع الحقائق تتجلد وتظهر الصلابة في متابعة المشوار الملغوم بالمآسي حتى يتراخى القلب فيملأه الحزن واللوعة على أبواب المسئولين أقفال محكمة يصعب اقتحامها . كلماتها في أذانهم بطر وليس من أساسيات برامجهم السياسية.تطرق ما قويت يداها على الطرق. ثم تعود لتحزم حقيبتها التي غلفها رماد النساء اللواتي اشتعلن بلهيب الاحتلال و آثاره.

لوحة الراهبة
رواية للاديب اللبناني المعروف قاسم قاسم
في روايته لوحة الراهبة.. يصور لنا الروائي اللبناني قاسم قاسم صورا متلاحقة ومتعددة من تاريخ بلده لبنان ..عبر قصة حب حالمة بين فنان شاب وجارته. وتتخللها الأحداث لتصب في بوتقة المعاناة التي مر ويمر بها الناس في زمن الحرب.
لم يترك قاسم للقارئ فرصة التثاؤب والتبرم . ففي سرده السهل الممتنع جمع بين خيوط عدة من ثقافة ألقت الثقافة الفرنسية بظلالها الواضحة عليها فتجد رشاقة الجملة وحضارية العلاقات والتي تعكس إضافة إلى الذوق الرفيع نوعية الشخوص الذين أستحدثهم في روايته.
لم يلتف قاسم كثيرا للمثيرات الجنسية رغم رغبتها بإغوائه طيلة الرواية . ولكنه ظل وفيا لهدف روايته في عكس واقع الحال المرير في مدينته التي مزقتها الحرب وأحالتها إلى مسرح مهجور في أحيان كثيرة بسبب القذائف وصفارات الإنذار.
قصة الحب التي ترافقها في سرد يدهشك بامتلاكه شروط الاحتيال على الدوام ، وتحتفظ بإسرارها إلى النهاية دون ان تترك لك ولا لصفحة إمكانية توقع ما سيحدث. لقد ذكرني قاسم بشاتوبريان واندرية جيد كثيرا . لا ريب فالأدب الفرنسي حاضر بشدة في الذاكرة اللبنانية وفي تكوين أدبائها وكتابها. فأنت تقرأ في فقرات عدة بقراءتك لأدب فرنسي بالعربية. وتلمس رقة العبارات وهدوء الأحداث رغم تلاحقها وتسارعها وتمكنها من شد اهتمامك إلى النهاية.
كيف تتعاطى مع رسائل قاسم قاسم هذا شأنك الذي ترك لك الخيار فيه بلا شك . لكن ما أراد قوله في عمود روايته قد فعله. في نقطة الالتقاء بين القارئ والراوي قال ما يريد وسمعته او ستسمعه عندما تقرأ الرواية أما رسائله الأخرى فعليك فك طلاسمها لوحدك ، والسهر لها ومعها كي تتعرف عليها عن كثب.
ربما لتمكنه من صنعته لم يرتبك قاسم بأوليات القصة . الطائفية المذهبية . الحرب.أسبابها. الأطراف المتنازعة . الحق مع من . من المذنب . كوارثها . نتائجها. نأى بنفسه عن كل ذلك كما نأى بنفسه عن الانزلاق في متاهة الاستغراق في تصوير مشاهد الحب بين الحبيبين . بل تركهما كلوحتين باذختي الجمال تكتملان روعة بعرضهما في أروقة أفخم قاعات العرض يومياتنا، للاحتفاء بهما.
في الخط الدرامي الذي تصاعد في الرواية عند اختفاء البطلة وبحثه عنها أوجز قاسم مقصده بدقة، واعتنى بإعطائه مساحة كافية في روايته. وترك كل ما تم قبل وبعد ذلك أحداثا ثانوية. الراهبة ولوحتها. الرهبنة وطقوسها . وحتى العدول عنها كقرار نهائي تناوله ببساطة وسلاسة يحسد عليها دون التطرق ولا بكلمة بسوء لاختيار أي راهبة.
قاسم يدعو في روايته للكثير ولا يخاف أحدا . يتعثر وينهض. يخطئ ويصيب.يعيد الحياة إلى أبطاله بعد انقطاعها. يترك البط يسبح في البركة ويغفو على أريكة الكنيسة. يدخن السيكار ويغامر بباقي حياته. يبقي الجميع في البيوت ، الذين تفرض عليهم الحرب والحياة سلوكا قصريا لا يريدونه فما كانت فتاته لتهرب لولا قرار أهلها إبعادها عنه. لكنها في ضياعها تكتشف بان حبها يستحق المحاولة وتعود للحياة عند أخر محطة. شباب المدينة المنهك من الحرب ينهض ويواصل ، رغم مصابه ومعاناته.
رواية في غاية الأناقة .سردها قاسم قاسم بمتعة . ولم يترك الدموع تهطل مدرارا لكنه ترك أسئلة تحتاج إلى إجابات . ووقفات تحتاج للتذكر في كوارث تلاحق كل البلاد وليس لبنان وحدها اذا ما حل بها مصاب الحرب والدمار والاقتتال. لم تلتقط عدسته مشاهد الموت والدمار بل اعتنى عناية خاصة بالدمار الداخلي وصوره بإتقان.
رواية لوحة الراهبة تستحق القراءة . وهي نموذج من الأدب الحديث الذي يتناول المأساة والحروب في حياتنا دون صراخ وعويل بل بهدوء وحنكة.
د. شذى

صور من المعركة
الخط الساخن
(( عندما كنا مواطنين بدرجة مرعوب كنا نعيش زمن الحرب. يعرضون لنا على شاشات التلفاز صورا لقتلى .كانت الصور صامتة . لا تقل لنا ولا نقل عنها شيئا كنا نحدق بها وهي تحمل عنوان صور من المعركة .. كانت معركة طويلة واحدة تدور في جبهات بعيدة.تحرقنا بشظاياها، وتخطف خيرة رجالنا... مضى زمانها وانتهت . كبرنا صرنا بدرجة مذهول ولم يعد التلفاز يعرض علينا صورا صامتة لقتلى فحسب بل صارت تصاحبها كل الوسائل المساعدة من صراخ وعويل وتصريحات تعددت جبهاتها لكن غايتها ظلت واحدة تريد حياتنا. لتلقي بجثث أيامنا على قارعة العبث كل يوم ))
حطت حمم الموت على العاصمة الجائعة .. بدأت جراح المدن تنزف. قتل الكثير من الرجال في ساحات الدفاع عن شرف وطن مهما كان الذي يحكمه . لكن صدورهم لم تكن كافية كي ترد الطوفان الذي ساهم أتباع المحتل في إغراق البلاد به. في بيوتهن بقين الكثيرات يغلف حياتهن الغد المجهول الملامح.
في مدينة أوربية
رغم ابتعادها عن الوطن مجبرة بسبب خياراتها الفكرية لكن قلبها خبر محنته وعرف علته. لا تضيع وقتها بتقليب صفحات الموضة ، ولا التجول في عيادات التجميل لحشو الشفاه والصدر والأرداف بما يؤهلها لحمل لقب مثيرة.
همها من نوع أخر.. تراها متوثبة . مشحونة. مدمنة على خطوطها الساخنة تبحث مع صويحباتها المهمومات بالشأن النسوي عن حلول لمشاكل المرأة في كل البلاد العربية ومنها العراق.
العراق... في أي مكان تحت الاحتلال
أخرجوها عند مغيب الشمس ، تطلعت بها العيون واقتيدت حيث أريد لها صيد سهل ، مجاني ، بعدما أحالها دمار البلد إلى ملكية مشاعة بحجة الأمن والحفاظ عليه، ومتابعة المارقين عن القانون وملاحقتهم. عاشت عذابات الاغتصاب والامتهان الجسدي بحجة انتزاع الاعترافات عن أماكن اختفاء رجالها!. قصصا من السجون مكدسة على رفوف الزمن خطت بمداد أسود لضمائر استمرئت الجريمة وأمنت عقابها.
من دولة أوربية
تكتب رسائلها التفصيلية للمنظمات الإنسانية ، تفتح بلا هوادة خطوط الاتصالات معها و مع كل جهة يمكنها التحرك للمساعدة وفضح ما يجري في قنوات الأعلام المختلفة ،اضافة لمنظمات المجتمع المدني والدوائر الحكومية لكي تعي بان ما يحصل ليس بخافي عن العيون. عل بعضها يستجيب ، ولتوثق بالتالي مجمل تلك الحقائق، فالتاريخ لا يهمل ولا يسقطها من حساباته مهما طال الزمن وظن مرتكبوها بان ذاكرته عتقت.
في مكان ما من العراق المحتل
تتضاءل بعينها الرغبة بالحياة ، تتطلع في الوجوه بلا اكتراث طالت مدة سجنها. وخلف القضبان عاشت كما عشن عشرات العراقيات أوقاتا عصيبة ...تعرضن لما يندي له جبين الزمن عند ذكره. كانت تصفيات حساب في بعضها مع مرتكبي مثل هذه الأعمال في سجون النظام السابق، ونهم وحوش كاسرة وعصابات ملكت السلطة بزمن رديء لبعضها الأخر. أم أمراض وأحقاد دفينة لبعض لم يجد بدأ من إطلاق العنان لها لتعيث فسادا.
أضربت عن الطعام . ذبل عودها. شحب لونها وكثرت إغماءاتها. لم تعد تنطق بكلمة رغم ما تعانيه من الضرب والتعذيب، فقرروا إخلاء سبيلها بعدما تأكدوا من قرب اجلها.
خطت إلى داخل البيت بخطوات مترددة ، في غرفة الجلوس رأت أمها وقد شاخت . استقبلتها بعيني منكسرة. ساعات صمت وقف عدها عندما أضرمت بنفسها النار بصوت مكتوم ردت على عذابات الحريق المستعر بكل جسدها، وقبل أن تودع العالم لمحت أمها العجوز وهي تزحف نحوها بعدما شلتها نكباتها تنوح بلوعة توجع القلب.
في مدينة أوربية
علينا إيجاد طرق تستجيب بها الحكومات المحلية والمركزية لطلباتنا ، يجب حماية النساء من العنف ، وإبعادهن عن ويلات الحرب ونتائجها الكارثية..راحت تخاطب نظيرتها عبر الخطوط الساخنة التي ابتكرتها مع غيرها من النسوة لملاحقة ما يحصل من دمار في العراق. والمساهمة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه. والحد من الكوارث التي تصيب المرأة وتهدد حياتها وآسرتها. تقلب أوراق الإحصائيات التي أعلنتها بعض مؤسسات المجتمع المدني ، تؤكد ازدياد النساء اللواتي تعرضن للضرب والسجن والاغتصاب والاعتداءات الجسدية والقتل. وراحت تحث محدثتها بالقول: علينا تفعيل وسائل جديدة لمواجهة مثل هذه الانتهاكات.
العراق في أحدى مدنه
فقد وظيفته. لم يستوفي الشروط اللازمة للحصول على وظيفة في عراق اليوم. التقارير المدسوسة والوشاية المنقولة عنه تؤكد: بأنه رجل الحكم السابق (البائد) . لم يعد باستطاعته تغطية نفقات الأسرة . صار لزاما عليه البحث عن عمل لكن البطالة مستفحلة. والفساد ينخر في أركان الدولة التي بليت بحكومات لا تشبع من السرقة والنهب وهدر الثروات. لم يجد غيرها متنفسا . صار يضربها ويمتهنها بوحشية هربا من عجزه والضغوط التي تكبله.
بين جوع صغارها وقسوته وتعذيبه تضرم بنفسها النار ... تتعالى صرخات الصغار بينما انزوت في أقصى الزاوية مخافة أن تلوحهم بعض السنة اللهب التي راحت تلتهمها بشهية.
من احد مدن أوربا
تحزم حقيبتها ، تأخذ معها ذخيرة حية من قوة الأعصاب والجرأة لاحتمال مواجهة كل شيء بما فيه الموت... تقرر السفر إلى العراق . تستمع إلى النسوة ، تسجل معاناتهن من أفواههن. علها تستطيع بهذه التقارير إيقاظ الضمير الإنساني ،وردع ذلك الذي يغفو في أروقة المنطقة الخضراء أو أي تسميات أخرى في البلاد والعالم.
العراق في العاصمة
شملتها لعنة التهجير مع عائلتها. وصلتهم ورقة التهديد التي يستمتع المجرمون بدسها تحت أبواب البيوت ليجبروا السكان على مغادرة مناطقهم السكنية. في العام يقولون أنها متبادلة بين السنة والشيعة أي يقوم هؤلاء بطرد هؤلاء من مناطقهم . لكن الحقيقة تقول أنها اكبر عملية تطهير عرقي في العراق خلفت في أثرها ما يقارب المليوني مهجر داخل العراق وستة ملايين يهيمون على وجوههم أم ينزون في بقاع العالم بحثا عن غد يأتي ببصيص أمل يعيدهم لوطنهم.
حددوا برسالتهم المهلة الممنوحة للرحيل خرجت العائلة مفزوعة لا قانون يحميها ولا سلطة تردع الجناة. تركت مدرستها كما فعل أخوتها الصغار. شهور ظلت تعاني الويلات كي تلحق بأحد المدارس لإكمال دراستها دون جدوى. أوراقها غير كاملة . أبوها الذي حاول استحصال وثيقة من مدرستها السابقة تلقى تهديدا بالقتل إذا ما اقترب من المنطقة . أغلقت بوجهها كل الأبواب توسلت المديرية التي حلت بها بمفاتحة مديريتها السابقة. فجاء الجواب سلبا. حاولت مع المدرسة فتعذرت بكثرة مشاغلها وهي من مسؤولية الطلبة بنقل وثائقهم لا شان للمدرسة لتقوم بمثل هذه الخدمة.
مرت الأسابيع وهاهي الامتحانات الثانوية في صباح الأول جمعت كتبها وصعدت إلى سطح الدار .أضرمت بنفسها النار وهي تحتضن كتبها التي منعت من إدلاء شهادتها بمدى حبها وتفوقها في معرفة محتوياتها.ومن تحقيق حلمها بالجلوس على مقاعد الجامعة.
العراق
تدور بلا كلل تجمع الاستبيانات . تسأل . تملأ الصفحات . تجمع الحقائق تتجلد وتظهر الصلابة في متابعة المشوار الملغوم بالمآسي حتى يتراخى القلب فيملأه الحزن واللوعة على أبواب المسئولين أقفال محكمة يصعب اقتحامها . كلماتها في أذانهم بطر وليس من أساسيات برامجهم السياسية.تطرق ما قويت يداها على الطرق. ثم تعود لتحزم حقيبتها التي غلفها رماد النساء اللواتي اشتعلن بلهيب الاحتلال و آثاره.

صور من المعركة
سيدتا اللوحة والحزن
(( عندما كنا مواطنين بدرجة مرعوب كنا نعيش زمن الحرب. يعرضون لنا على شاشات التلفاز صورا لقتلى .كانت الصور صامتة . لا تقل لنا ولا نقل عنها شيئا كنا نحدق بها وهي تحمل عنوان صور من المعركة .. كانت معركة طويلة واحدة تدور في جبهات بعيدة.تحرقنا بشظاياها، وتخطف خيرة رجالنا... مضى زمانها وانتهت . كبرنا صرنا بدرجة مذهول ولم يعد التلفاز يعرض علينا صورا صامتة لقتلى فحسب بل صارت تصاحبها كل الوسائل المساعدة من صراخ وعويل وتصريحات تعددت جبهاتها لكن غايتها ظلت واحدة تريد حياتنا. لتلقي بجثث أيامنا على قارعة العبث كل يوم ))
عن بغداد بدايات القرن العشرين
سيدة اللوحة المضيئة
الصورة الأولى
جلست تقص على مضيفها رحلة السنوات. هناك عندما كانت بغداد عاصمة الرشيد تنفض عنها في ثلاثينيات القرن الماضي غبار الاستعمار الحديث وتخطو نحو المستقبل بثقة وكفاءة. تابعها أبوها بعين المحب الفخور خطوة خطوة. كلما لمح فيها ميلا لفن و رغبة لهواية سارع لرعايتها كأنها برعم في بستانه. رآها تعشق الشعر فهرع ليحضر أستاذا يعلمها بحوره. وعشقت الموسيقى فسارع لتعليمها العزف. وتنوعت هواياتها ولم يمل في رعايتها.
بلاد الرافدين بدايات القرن الواحد والعشرين
سيدة الحزن
الصورة الثانية
تجلس منزوية . تتوشح السواد لا يشغل وقتها إلا القلق والخوف على صغارها. ورجلها الذي خرج لتوه مخافة أن يغيبه الموت المتربص بالعراقيين في الطرقات. بارود يحرق كل الطرقات والبنايات والمقاهي ويغلف الأرصفة بالدم القاني ويختلط بمياه الشوارع الآسنة فيترك الجثث صامتة تنتظر الجزعين ليزيحوها بانتظار جثث أخرى لتحل محلها.
بغداد منتصف القرن العشرين
سيدة اللوحة المضيئة
الصورة الثالثة
عشقت اللون والفرشاة وراحت تصنع لوحاتها. اختارت اسطواناتها لتعبئها باللون ، تتقدم للدراسة الأكاديمية فيكسر أستاذها اسطواناتها ويدعوها لتعلم الفن بجد. تغضب وتقرر ترك الفن ونسيانه. يعود أبوها لثنيها عن عزمها ويؤكد لها بان الأستاذ على حق .. الم يقولوا امشي وراء الذي يبكيك، بدموعك ستتعلمين. لم يجزع من الإيمان بقدرتها وإمكانية بناء مستقبلها. فتاة مبدعة تحقق طموحها ويخلي مسؤوليته في تربيتها على أتم وجه.
بلاد الرافدين بداية القرن الواحد والعشرين
سيدة الحزن
الصورة الرابعة
لم يعد للون وبهجته اثر في مظهرها. صار التيار الديني السيد المتحكم بالمشهد . بعضهم يؤكد حقيقة استمرار السياسة القديمة للرئيس العراقي السابق صدام حسين عندما تحول في أخر فترات حكمه إلى متدين رافعا شعار الحملة الإيمانية. لكن العراق اليوم تحكمه التيارات الدينية بكل أطيافها من كلا المذهبين الشيعي والسني وكلها تشترك في بقاء سلطة التحكم بمظهر المرأة وحجابها في يده حفاظا على هيبتها ـ بالطبع التيارات وليس المقصود المرأة ـ وتحقيقا لبرامجها وأجنداتها وان اختلفت من مذهب لأخر.
في الحضانة تعلم كيف تستحضر وتعد لمواكب العزاء على أرواح الأئمة الخالدين ، وتلقن بإتقان اللطم وترديد الأناشيد الدينية. الموسيقى والشعر والغناء والفن ربما لا يجدر بها تعلمهم .فهي للسلفيين السنة فسادا وكفر وللشيعة لعله حرام إلا الذي يكتب أو يعد في حب أل البيت.
سيدة اللوحة المضيئة
عواصم العالم المتقدم ستينات القرن العشرين
الصورة الخامسة
تتبختر في ألوانها المنتشرة ببذخ على لوحاتها. والتي صبغت ثيابها تنتقل من عاصمة لأخرى ، تذكر بضم التاء ببغداد وحكاياتها أو كما يسميها الألمان بلاد الصباح التي تشرق فيها الشمس كل يوم بلا كلل. وتغريهم لزيارتها وتحفز خيال كتابها وعباقرتها في استلهام روائع الأدب من قصصها و أسرارها وسحرها الذي لا ينضب. تتحدث سيدة اللوحة بثقة وفصاحة وتتسع لها العيون إعجابا و أكبارا ودهشة.
بلاد العالم بدايات القرن الواحد والعشرين
سيدة الحزن
الصورة السادسة
عواصم العالم تتردد في استقبالها. ثيابها الرثة ، أو التي عفرها تراب السفر في رحلة مرهقة كانت بها مختبئة في سيارة نقل قديمة أم زاوية مجهولة من مركب اخذ منها كل مدخراتها التي قايضت بها بيتها وتاريخها وممتلكاتها في العراق لتنفذ بصغارها من الموت والدمار . تتطلع الوجوه فيها بلا مبالاة واستنكاف، ثم بكثير من التبرم لثقل حضورها وحسرة على الحدود التي لم تحرس جيدا لتتمكن هي وصغارها من التسلل إلى داخل البلاد ،ثم تجبرهم بعد ذلك على استقبالها والتعامل معها كواقع حال.
بغداد منتصف الخمسينات
سيدة اللوحة المضيئة
الصورة السابعة
تجلس الفنانة وقد اكتملت لوحتها تلقي عليها نظرة المتوجس الباحث عن الأفضل. يقاطعها صوت بنعومة ليعرض عليها شريك عمر تقدم للزواج منها. تجيب بهدوء يوازي ذاك الذي تشرع فيه لرسم لوحة جديدة. لا مانع لدي اسألوا عنه فان وثقتم به فسأتزوجه.
عواصم عربية بدايات القرن الواحد والعشرين
سيدة الحزن
الصورة الثامنة
منكمشة تتنازعها الوساوس وتخاف طرقات الأبواب ، غاب السند ذبح بسكين مجهول الهوية ظلت وحيدة، رضيت بأحقر الأعمال دون بيع كرامتها، وباجر زهيد لكن حسنها ونضارتها ظلتا تطاردهما الضباع، لو تمكنت من إيجاد المعين والسند ليؤمن لها طرق الصباح ، ويسكن عنها وحشة الليل. لا احد يكترث بها والألسنة تلوك صبرها ، وتبتكر خرافات لزجة لتعلق بها أقدامها الحافية.
بغداد العقد الأول من القرن الواحد والعشرين
سيدة اللوحة المضيئة
اللوحة التاسعة
تتوكأ على هاجسها، ورصيدها من الحب أودعته مدينتها التي تربت وترعرعت فيها ، نخيلها وعطر أزهارها. مآذنها، و أجراس كنائسها، أسواقها ، طرقاتها، صباياها، حسانها، والجدية التي تخفي طيبة رجالها، شلالات التسامح والمحبة بين أبنائها، مروءة أناسها، أزقتها ، أبوابها ، قشلتها، متاحفها، كتبها ،ومكتباتها العتيقة، باعتها، وسائقي أجرتها..... تقدمت لشراء بعض الفاكهة أرادت انتقاء فاكهتها وتبادل أطراف الحديث مع البائع صرخ بها معنفاً. ارتجفت كالعصفور معتذرة... آسفة آسفة غلفها الإحباط . أين أنت بغدادي التي حلمت وعشت فيها
أين مسارحك ودور السينما التي كنا نرتدي لعروضها أجمل ملابسنا ، وكان الشباب الشهم المهذب ينبري لشراء تذاكر للنساء واحترام صفوفهن وعدم الإخلال بالأدب العام ولا بهندامهم المميز عند حضورهم كل عرض .. حزمت حقيبتها من جديد بيد ترتعش محدقة في فضاء لوحتها الشاسع بأي الألوان سترسمه عن ماذا ستتحدث لوحتها القادمة.
ملاحظة: طويلة وزاخرة قائمة الرائدات والمتميزات من الفنانات العراقيات والتشكيليات على وجه الخصوص، واللوحات المأخوذة من معارض الفنانة الرائدة وداد الاورفه لي. وعلها تتقاسم نفس الملامح والألوان ،والمواضيع مع صويحباتها من الفنانات وتلتقي معهن في الخطوط العريضة فهي عن واحدة في الكل . أو عن كل تؤدي دوره واحدة.

أين رجالهن؟
(( عندما كنا مواطنين على درجة مرعوب كنا نعيش زمن الحرب. يعرضون لنا على شاشات التلفاز صورا لقتلى .كانت الصور صامتة . لا تقل لنا ولا نقل عنها شيئا كنا نحدق بها وهي تحمل عنوان صور من المعركة .. كانت معركة طويلة واحدة تدور في جبهات بعيدة.تحرقنا بشظاياها، وتخطف خيرة رجالنا... مضى زمانها وانتهت . كبرنا صرنا على درجة مذهول ولم يعد التلفاز يعرض علينا صورا صامتة لقتلى فحسب بل صارت تصاحبها كل الوسائل المساعدة من صراخ وعويل وتصريحات تعددت جبهاتها لكن غايتها ظلت واحدة تريد حياتنا. لتلقي بجثث أيامنا على قارعة العبث كل يوم ))
أتين مثل العشرات من النسوة من مكان ما من بغداد
ربما في الكرخ أو في الرصافة لتشكل صورا لحال عاصمة غادرتها البهجة والأمان منذ زمن بعيد، وعلت فيها أصوات الأشباح ورسل الموت
كل الصور التي تعرضها الشاشات تتقاسمها ملامح مشتركة. الجزع .. الحزن .. رغبة جامحة للحياة .
في ساحة التحرير
الصورة الأولى .. عجوز منهكة ،تسمرت نظراتها على محدثها تماما مثلما عباءتها على رأسها تسرد بصوت جفت مرارته
كان لي ثلاثة أولاد وراحت تعد على أصابعها كمن يعد أشجار حديقته التي اقتلعت غدرا..واحد قتله مغاوير الداخلية في ساحة النسور. .. وتابعت تعدد قتلاها ، الصورة طغى عليها وجهها رغم ما يحيط به من عشرات المتظاهرين. تتساءل أين دموعها ربما شربتها النكبات تباعا وشحت مثل فرصها بالحياة. ليس لها في هذا العالم سوى هذه الشكوى التي تبذر بها السخط والحزن والتحدي بنفوس الباقين من هذا البلد الذي ينحر كل يوم كي يبقى أما هي فلا معين ولا سلوى لها ولا غد سوى كلمات تتقاسمها مع عجوزها الثمانيني كما قالت
يتراءى لك شبح في سوداوية المشهد . يصرخ ويلتهم سكينتك وخدرك .. احنه أخذناها وفلا ننطيها
الصورة الثانية
إن صعب عليك تقدير عمرها فلن يصعب عليك الأسى لحالها ولبساطتها. تحمل صورة ابنها وتصيح كأن عدسة الكاميرا باب سماء فتح لها .. أريد ابني رأيته على شاشة التلفاز عندما عرضوا صورا للسجون السرية. قولوا للمالكي أريد ابني أخذوه مني ليس لي سواه يكد ويكدح على تسعة أفراد . ليس لنا معين من بعده أريده من المالكي امشي عليه العباس .. امشي عليه الله. أريد ابني واختنقت بالحسرة والدموع وغرقت منها الكلمات.. لكن الأشباح لم تختفي من خلفية المشهد الكئيب ظلت تلاحقه بينما راح صراخها يزداد حدة
احنه أخذناها وفلا ننطيها
الصورة الثالثة.. سيدة في أواخر الثلاثينات تمتد قامتها بشموخ لا يعرف سره إلا الأرض التي جبلتها. صاحت متهكمة : المالكي لا يعرف بالسجون السرية .. يعرف فقط الأشراف عليها.. ارتجفت الأرض حتى لتظن للحظة بان الأشباح انهزمت لكنها ظلت تصيح وبإصرار مخيف.. احنه أخذناها وفلا ننطيها.
تعبت العين .. طأطأت تريد البحث عن مخرج من الجو المأساوي القاهر .ومشاهد الفواجع الذي لا تنتهي حلقات مسلسله. لكن البال ظل مشغولا بالأشباح والصارخين على عرض شاشات الأرض..
احنه أخذناها وفلا ننطيها..
ترى ممن أخذوها ولمن لا يريدون إعطائها. سؤال قد يلحق بسؤال الهامة المديدة لعراقية تهكمت سائلة عن السجون السرية والعلنية أكثر منها بكثير.

كلما تعرض طاغية بمقايسنا الحالية لنوبة ثم نكسة ثم إزاحة تفتقت قرائحنا على قول الكثير بحقه. معززين إجاباتنا بالكثير من الأدلة المادية والمعنوية. ملتفتين إلى كتبنا الخاصة، وذاكرتنا التي تجود حينا وتضني حينا أخر لكي نستل منها ما يفي بالغرض.
لكن هل التفتم للطغاة الذين تحكموا في آليات حياتنا. وتقاسموا بنسب متفاوتة تشكيل شخصياتنا. هناك طغاة فكر وطغاة أدب وطغاة تاريخ ..كتب منحوتة لم يجرؤ أكثر مغاويرنا إقداما على حتى التفكير به. وطغاة اجتماع . طغاة عمارة . طغاة طعام . طغاة ملابس .. هل تستغرب الملابس عناوين الكثير من العقائد والشرائع التي سوقت لنا على انها سماوية. طغاة فلسفة. طغاة اقتصاد وقوانينه وقواعده وأسسه. طغاة ثروات. وطغاة و طغاة ومنهم الطغاة المساكين الذين يجلدون لوحدهم طغاة الحكم.
في التاريخ القديم لقب الاسكندر بالكبير ذلك الغازي القاتل المدمر الذي قضى سنوات حكمه العشرين قاتلا سفاكا للدماء سفاحا. لم يبق مثلب أو نقيصة إلا واتاها ، ولم يدخر متعة جنسية او حسية إلا وكانت طوع بنانه. لخشيته من المصير الأسود والغدر الذي انتهى إليه سلفه ظل يغزو بلد ويدمر أخر ويترك طاغية على هذا الشعب او ذاك. من قصصه العديدة أنهم قدموا له عقدة لحلها فما كان منه وهذا ينطبق تماما مع شخصيته السطحية النافذة الصبر . المتعطشة للبطش والقتل والتنكيل وسفك الدماء إلا أن مسك سيفه وقطعها اكرر لم يحلها الاسكندر المقدوني الذي ما زال خيرة الأدباء والمفكرين والمثقفين يطلقون عليهم ـ الأكبر ـ يا للسخرية اكبر على ماذا ؟ على طيشه وعطشه للقتل والتنكيل . على سخافة عقله وعجزه الفكري . على ما سببه من دمار وقتل للبلدان التي وطأتها جيوشه ، وصار عمله السخيف العاجز محط تندر ومثل يضرب للشجاعة والإقدام وندعي بأننا ضد الطغاة.
ينسب لهذا الغازي الطاغية قصة ذات مغزى قد تكون صحيحة مثلما عبئت كتب التاريخ بعشرات الملايين من القصص المنمقة عن طغاة منتقين باقتدار عال ليفوا بأغراض متعددة تتفق وحاجة كل طاغية رضيع. المهم نتابع روي عنه انه سؤل هو في بعض المصادر او أمه في مصادر اخرى كيف تسنى له تحقيق كل هذا المجد فجاء الجواب : قليل من الذكاء قليل من العمل وكثير كثير من الحظ.
إذن الحظ .. وعندما يولي الحظ مدبراً عن أي طاغية ـ خلف هذا الطاغية العاتي ـ فانه سيرمى ويسحق بلا رحمة تلك الكلمة التي ما كان لها في قاموس صعوده أي معنى وظل خاليا منها وصعب في نكوصه إضافتها لخلو صفحاته من فراغ مناسب.

هل فكر احد ما بالطغاة الآخرين . هم بعدد الكتب التي ترزح على صدورنا وتعيق علينا التنفس والتفكير بالنهوض لثقلها .
طغاة شكلوا ذائقتنا الفكرية والأدبية وصاروا يلكزون خياراتنا فيها بلا حياء. كم عدد الذين تغنوا بديك الجن وقصيدة العصماء الفاضحة المخزية التي تغنى بها بذبحه جاريته الأثيرة لغيرته من نظر الغلام إليها.تقول أبياتها التي قد يحفظها الكثير مثلي
يا طلعة طلع الحمام عليها وجنى لها ثمر الردى بيديهــــــــــا
رويت من دمها الثرى ولطالما روى الهوى شفتي من شفتيهــــا
قد بات سيفي في مجال وشاحها ومدامعي تجري على خديها
فوحق نعليها وما وطئ الحصى شيء اعز على من نعليهــــــــــا
ما كان قتليها لأني لم أكن ابكي إذا سقط الذباب عليهــــــــــا
لكن ظننت على العيون بحسنها وأنفت من نظر الحسود إليهــــــا
هل تذكر المستمتع بها والمتغني بأبياتها ضحالة نفسية الطاغية الذي كتبها. وبؤسه وشقائه. هذا القانون الجائر الذي منحه حق قتلها لا بل والتغني بجريمته. وكم برقت عيني أديب وشاعر وهو يرددها كان أنغام حالمة أم قصيدة لجميل في حب بثينة.
شايف البحر شو كبير .. كبر البحر هناك طغاة في حياتنا مع خلايانا المتجددة والمتبلدة إلا إننا لا نعقد العزم على منازلة إلا المكاريد منهم . من أولئك الذين صنعتهم أعمالنا.
يقول الالمان : نحن انجزنا هتلر.. ولكم اعتبار الكلمة صنعنا هتلر.... لما يقولون ذلك لأنه جمع أحلامهم المشروعة وغير المشروعة .. العادلة والظالمة .. وصنع منها بارود احرق به الأخضر واليابس وقادهم للهزيمة . هم من قدموا على طبق من ذهب رأس الديمقراطية والتعددية واختاروه زعيما أوحد. في الأفق الضيق ، والعصبية القومية. والمصالح الشخصية والرغبة في الاستعلاء وتلميع ال الأنا التي لا ترحم صنعوا هتلر... كل الطغاة بالعالم يصنعون بهذه الطريقة او بطرق مشابهة لها .. غير ان المضحك أنهم وحدهم من يتحمل النتيجة .
لما لا يهتم احدنا بهذه الحقائق ويفكر بها يتأملها على الأقل .. لأننا ببساطة محكومين بمنظومة معقدة من الطغاة الذين يجبروننا على النظر بعيدا عن الحقيقة وتمويهها.
كيف تؤمن بحق الأخر وأنت متعصب لعشيرتك وقبيلتك ولا تملك إلا التفاخر بأمجادها التي عبئت برأسك.
كيف تذهب مرتاحا للنقاش مع الأخر وأنت تعتقد بان مذهبك ومعتقدك الديني أسطوري .. مثالي.. متكامل.. غير قابل للمساس.. وان الأشخاص الذين ورد ذكرهم فيه لا غبار عليهم مقدسون مقدسون مقدسون إلى يوم الدين.
كيف تصدق بان للمرأة حق وأنت مولود على احتقارها .. يحكمك قانون امتهانها مبررا لنفسك أن هناك تساءا للمتعة وأخريات للزواج كما كان يقول صاحب إمبراطورية ال كندي لأولاده. لا بل تملك ما هو أكثر مهارة منه هناك نساء للحياة وأخريات ينحرن كالنعاج إذا ما بدر منهن أي إشارة عن رغبتهن بالعصيان
كيف تستطيعين تربية ابنة حرة وأنت لم تلدي ولم تتربي ولم تشبي ولم تتزوجي إلا بقرار اتخذ لك.
كيف تحترم قانونا وفكرا ونقاشا وقد جبلت على المواربة والتخفي واعتبارها من محاسن الأمور.
طغاتنا الحسيين يتلخصون بالتثاقل، والوهن من التفكير بكل هذا وعرضه بمرآة المشاهد لمسرحية معروضة . وقتها سيستلقي احدنا على قفاه ضحكا على أعداد الطغاة الذين يتدافعون أمامنا متباهين بحصصهم فينا
عني ابحث عن قماش أو بقايا ملابس بالية لصناعة خيمة ادهنها بشحم التبلد من الجري وراء المألوف من التفاخر بالخلف والسلف لمقاومة المطر. لاخط على قفا أوراق الدعايات الفاخرة العديمة القيمة شعاري الخاص للمرحلة المقبلة.... ساخط التالي
الكاتبة تريد إسقاط الطغاة الأحياء والأموات.
طابت أوقاتكم ونقي هواءكم من أرواحهم .. آمين
د. شـــذى