ترجم

English

الأحد، 5 يونيو 2011

صور من المعركة مذكرات زوجة الريس




(( عندما كنا مواطنين بدرجة مرعوب كنا نعيش زمن الحرب. يعرضون لنا على شاشات التلفاز صورا لقتلى .كانت الصور صامتة . لا تقل لنا ولا نقل عنها شيئا كنا نحدق بها وهي تحمل عنوان صور من المعركة .. كانت معركة طويلة واحدة تدور في جبهات بعيدة.تحرقنا بشظاياها، وتخطف خيرة رجالنا... مضى زمانها وانتهت . كبرنا صرنا بدرجة مذهول ولم يعد التلفاز يعرض علينا صورا صامتة لقتلى فحسب بل صارت تصاحبها كل الوسائل المساعدة من صراخ وعويل وتصريحات تعددت جبهاتها لكن غايتها ظلت واحدة تريد حياتنا. لتلقي بجثث أيامنا على قارعة العبث كل يوم ))


الصورة الأولى: الصحفية في مكان ما من العالم
بينما راحت تقلب في صفحات الأخبار اليومية كالمعتاد لفت انتباهها خبر نادر مفاده نية زوجة الرئيس العراقي السابق صدام حسين كتابة مذكراتها الشخصية. ضغطت على الرابط وانتظرت لقراءة تفاصيل الخبر

الصورة الثانية: بغداد ـ دعوة ـ
تذكرت الصحفية ذلك اليوم الذي تلقت به دعوة من دار الأزياء العراقية. بلغت بالحضور من قبل المسئول عن القسم بالجريدة وليس في الدعوة أي تفاصيل شفهية أم خطية فلم تتبين إذا ما كانت الدعوة لتكملة الحوار مع المدير العام السيدة فريال الكلدار ... لعله أمر أخر.
هل ستتحدث أخيرا ـ الكلدار ـ عما يجول بخاطرها فلقد تركت في لقائهم الأخير الكثير من العبارات مبتورة. سردت بعض المشاكل ثم عدلت بعد ذلك عن رأيها قائلة بتردد لا يسأل عن أسبابه في عراق يوم ذاك : لا لا داعي لنشر ذلك . ولم تتبعه بتحذير لان الخوف الذي لمحته بعيون الصحفية، كان كفيلا بطمأنتها من عدم ارتكابها لحماقات تحرجها.
لكن ما الذي حصل؟ . راحت الكاتبة تسأل نفسها.

الصورة الثالثة: مذكرات زوجة الريس
قرأت تفاصيل الخبر . ستستعين زوجة الريس المقيمة حاليا بقطر بصحفي فرنسي لمساعدتها على كتابة مذكراتها.



الصورة الرابعة: بغداد دار الأزياء العراقية

وصلت الصحفية يومها إلى دار الأزياء قبل الموعد المحدد . المكان كان بمنتهى الأناقة . تكاد تكون البناية من أجمل البنايات في بغداد .تقع في منطقة هادئة. تلفت انتباهك لو مررت بالشارع الطويل كأنها عروس في كامل زينتها. ومن الداخل زينت النباتات المتسلقة كل زواياها وتسلقت على الحواجز الزجاجية لتعطي مع الإضاءة الخافتة إحساسا منفردا بالارتياح والدهشة. يمكنك بحق وصفها بالأنثى إذا ما قارنتها بالمباني الأخرى بما فيها مركز صدام للفنون رغم سعي الفنانة الكبيرة ليلى العطار في إضفاء لمساتها الأنثوية عليه.

دار الأزياء كانت استثناءا مثل أزياءه لم ولن تجد له شبيها بكل عروض الأزياء سابقا ولا لاحقا. ليس تحيزا بل كانت عبقرية فريال الكلدار في التصميم تحبس الأنفاس. لا تعادلها في الإبداع والروعة امرأة أخرى سوى زها حداد في فن العمارة.


الصورة الرابعة ـ لزوجة الريس

يختتم الخبر على تأكيد نية زوجة الريس نشر مذكراتها الشخصية باللغتين العربية والفرنسية ويتوقع لها مبيعات هائلة. لاشك.

الصورة الخامسة: بغداد ـ دار الأزياء العراقية.

حيت الصحفية السكرتيرة عند دخولها المبني .بدت الثانية مشغولة. واستغربت من الأعداد الغفيرة للنسوة الحاضرات. لم تكد تسأل عن السبب حتى أتاها جواب قطعي : انتظري . سيبدأ البرنامج بعد قليل. بعد قليل امتد من الساعة الثامنة حتى العاشرة. لم يذهب وقت الصحفية سداً بل كان المكان أشبه بإحدى ساحات فينسيا في مهرجانها التنكري السنوي . نسوة من مختلف المشارب والحلل والملل. بدينات ونحيفات. يرتدين ملابس لم تعتد الصحفية على رؤيتها في الأسواق والمحلات. هن لا يشبهنها ولا يشبهن النسوة اللواتي يتبضعن في أسواق وشوارع بغداد. ثم طلب منهن الاصطفاف صفين فلبين الطلب ولم يتوقفن عن الحديث والثرثرة. من الواضح جدا إنهن صديقات . لكن لما كل هذا. و إذا ما كان هناك عرضا ما كالذي يحصل في مهرجان بابل مثلا فلما هذا التعتيم . وهذه الإجراءات المشددة.


الصورة السادسة:

في قاعة صغيرة لا تتسع لما يزيد عن الخمسين شخصا عرضت فتيات تشكيلة من الأزياء الحديثة. صاحبها صوت مقدمة يشرح برنامج دار الأزياء، في حملة أطلق عليها أسم ( كسر الحصار ) أم شيء من هذا القبيل. والغرض مساهمة دار الأزياء في إعانة الأسر العراقية التي تعاني العوز والفقر في ارتداء ملابس بأسعار معقولة، وفي نفس الوقت بتصاميم حديثة وجذابة.!!!. دار الأزياء تقود الحملة أمر مذهل. كي ترتدي البسيطات من العراقيات أزياءً تجمع بين الكلفة القليلة والتصميم المتميز. خطوة بغاية الروعة. وتفكير ينم عن إحساس بهموم المجتمع لرفع مستواه وتحدي الحصار المفروض عليه وهو مهم جدا. تنبع أهميته بارتداء المرأة لأزياء بديعة تحسدها عليه الكثير من نساء العالم رغم الحصار.

الصورة السابعة:

جلست بالصف الأمامي سيدة العراق الأولى يومذاك ـ زوجة الريس ـ والى جانبها المدير العام المصمم لكل هذه الأزياء فريال الكلدار .ولفيف من النسوة. ؛(حلوة لفيف أليس كذلك من وحي أجواء أجمل الأماكن في بغداد ).
جلست الصحفية مع باقي الصحفيات في الصف الأخير. فقالت إحداهن: لو تمكنا من اخذ تصريح صحفي لها تعني طبعا زوجة الريس. ردت الصحفية: اذهبي إليها قولي لها ذلك ؟ . فردت مفزوعة : لا عيني أخاف. لا تعرف الصحفية من أين أتت بالشجاعة فقامت من مكانها ووقفت خلف كرسي زوجة الريس انحنت إليها وهمست : سيدتي . هل يمكنك الإدلاء بحديث صحفي للجريدة. دون أن تلتفت إليها زوجة الريس ردت وهي تشير بأصبعها: لا لا أدلي بأي حديث للصحافة. رجعت الصحفية أدراجها وهي تهز رأسها للأخريات بان المحاولة باءت بالفشل.

الصورة الثامنة: أروقة وقاعات دار الأزياء العراقية

بعد انتهاء العرض صحب زوجة الريس في جولتها للاطلاع على منتوجات دار الأزياء من الألبسة التي من المفترض تخصيصها للعراقية في الحملة التي تحمل شعار مساعدة الأسر العراقية و كسر الحصار .. أو أي كلام يشبه ذلك . صحبها النسوة اللواتي دار الحديث على أنهن زوجات الوزراء و أعضاء القيادات ورجال الدولة.
حرصت الصحفية على الاقتراب بما تسمح له المسافة من زوجة الريس علها تخرج بشاردة أو واردة تنفعها في كتابة تقرير يستحق القراءة.
وفي إحدى المحاورات مع المصممة تمكنت من سماع الحوار التالي بين زوجة الريس وبينها
زوجة الريس: كم سعر هذه القطعة؟
المصممة: جعلناها بخمسين دينار ، لتتمكن المرأة البسيطة من شرائها
زوجة الريس معترضة: ماذا خمسون دينار . هذا أقل من سعر شكولاته. قليل جدا . اجعلوها أكثر . ماذا يعني خمسون؟.
المصممة:.... لا كلمة كما توقعت عزيزي القارئ سيدة كنت أم سيد.

الصور التاسعة:

ما أن غادرت زوجة الريس المبني حتى أعلن عن البيع المباشر للمعروضات .

من جديد تثبت المصممة امتيازها. فلقد صممت ملابس عصرية وليس تراثية كالتي تقدمها كل عام بمنتهى الروعة . خيالها وذوقها لا نظير له. انقضت النسوة ـ زوجات المسئولين الكبار ـ لحجز وشراء كل ما تم عرضه. وكلفت كل واحدة منهن خادمتها بحمل ما يمكنها حمله.

بعد اقل من ساعة كان المكان أشبه بحقل غزته أسراب الجراد . الدمى عارية والرفوف شبه خالية.
انتهت الحملة لصالح المرأة المحرومة على أفضل وجه، واستثمرت من قبل عراقيات خير استثمار وأتت أوكلها.

الصورة العاشرة: الصحفية في مكان ما من العالم

تحدق في صورة زوجة الريس المنشورة وفستانها الأنيق جدا. مؤكد هو من تصميم دار الأزياء. تدفقت كل تلك الصور أمامها وفكرت... بماذا ستتحفنا زوجة الريس. لا نريد سماع قصصا عن غرامياته وان كانت من أحب المواضيع لتخدير الناس أو لتسليتهم. لا نرغب كثيرا في معرفة كيف كان يأكل ويشرب وينام ويجلس الريس نحن نعرف أكثر منها. فلو كان عمر احدنا أربعين سنة فاخصم منها النصف استحصلها سيادته ضريبة إجبارية دفعها الواحد منا، وهو يتطلع إلى ابتسامة سيادته وبدلات سيادته. وأحاديث سيادته. وعربات سيادته الرئاسية في أعياد ميلاده الميمون. وفي زيارات سيادته التفقدية اليومية لبيوتنا ونعرف والكلام لزوجة الريس كي تحرص على اختيار الأفضل لجعل المذكرات مشوقة. نعرف كيف كان يتمدد سيادته وكيف كان يشعل السيكار وما زلنا نحفظ عن ظهر قلب أغان تمجد سيادته وما زلنا نرددها كلما أردنا.. ربما نكاية بما ضاع ويضيع منا...
بيت بيت زار الشعب بيت بيت بيت
لا بين بوجه التعب بيت بيت بيت

لذا عليك سيدتي زوجة الريس البحث بعناية عما تريدين إخبارنا به . فالكثير تولاه نيابة عنك الوشاة والخدم الذين كانوا يملئون قصوركم، وحصة الأسد في أسرار الريس رواها لنا بنفسه بطريقته الخاصة.

وعذرا سيدتي ألف عذر .. لا تغامري بذكر بطولات لك ومواقف وطنية لان دار الأزياء تؤكد بأنك لم تعرفينها يوما ما . أنت الثرية التي ولدت وفي فمها ملعقة من ذهب. فلم تكن لك نشاطات واهتمامات بالشعب ومعاناته، ولم تدخل السياسة في دائرة اهتماماتك يوما ما، ذلك أفضل و إلا كانوا وضعوا صورتك مع صور الآخرين في قائمة المطلوبين . ربما يتوجب عليك شكر الريس في مذكراتك لصنيعه معك و إبعادك عن دائرة حكمه. وما زلنا ننتظر بلهفة وشوق ما الجديد الذي ستخبريننا عنه ، وتراهنين بأننا لم نعرفه.
ثم وهو الأهم ما الذي ستأتي به مذكراتك المزمع نشرها من نتائج ايجابية تساهم في فك الحصار عن العراقيين والعراقيات خاصة. الحصار المتعدد الأوجه والأشكال الذي يعانون منه قبل وبعد سقوط بغداد. هل اعدد لك بعضا منه... حصار كرامة مهدورة. حصار تشرد وتهجير . حصار نزع السيادة. حصار الاحتلال . حصار التمزق. حصار القتل والاغتيال. حصار البطالة. حصار نقص الخدمات.حصار اليتم . حصار الترمل. حصار الجوع . حصار المستقبل المجهول. والذي كان لسيادته ـ بطل المذكرات ـ نصيب فيه بسبب سياسته وخططه الحربية الفاشلة. وهل ستكفي عائدات البيع لكسر طوق الحصار عن العراقيات أم ستبقى فوائده للساكنات بالمنطقة الخضراء من نساء المسئولين الجدد، وهن يمرحن اليوم بقصوركم الفاخرة.
يؤسفنا بأننا سوف لن نتلقى الرد عن كل هذه الأسئلة.